ذات ليلة وقف إبراهيم عليهالسلام عند ابتداء مغيب الشمس يتطلع في السماء ـ وهو ينوي هداية الناس ـ وبقي ينظر إلى النجوم والكواكب من أول الغروب من تلك الليلة إلى الغروب من الليلة التالية ، وخلال هذه الساعات الاربع والعشرين حاور وجادل ثلاث فرق ، من عبدة النجوم وابطل عقيدة كل فرقة منها بأدلة محكمة ، وبراهين متقنة قوية.
فعندما أقبل الليلُ وخيّم الظلام على كل مكان وهو يخفي كل مظاهر الوجود ومعالمه في عالم الطبيعة ظهر كوكبُ « الزُهرة » من جانب الاُفق وهو يتلألأ. فقال إبراهيم لِعُباد هذا الكوكب ـ وهو يتظاهر بموافقتهم جلباً لهم ، ومقدمة للدخول معهم في حوار ـ : « هذا ربي ».
وعندما افل ذلك الكوكب وغاب عن الانظار قال : « لا احب الآفلين ».
وبمثل هذا المنطق الجميل أبطل عقيدة عبدة الزهرة ، واظهر خواءها وفسادها.
ثمّ إنه عليهالسلام نظر إلى كوكب القمر المنير الّذي يسحر القلوب بنوره وضوئه ، فقال ـ متظاهراً بموافقة عبدة القمر ـ : « هذا ربي » ثم ردّ باسلوب منطقي محكم تلك العقيدة أيضاً ، عندما امتدت يد القدرة المطلقة ولمت أشعة القمر من عالم الطبيعة ، وعندها إتخذ إبراهيم عليهالسلام هيئة الباحث عن الحقيقة ومن دون أن يصدم تلك الفرق المشركة ويجرح مشاعرها إذ قال : « لَئنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّي لأَكُونَنَّ مِن الْقَوْم الضالِين » (١) لأَن القمر قد أَفل أيضاً كما أَفل سابقُه فهو كغيره أسير نظام عُلويٍّ لا يتخلف ، وما كان كذلك لا يمكن ان يُعدَّ رباً يُعبَد ، ويتوَجه إليه بالتقديس والتضرع.
ولما وَلّى الليل وأدبر ، واكتسحت الشمس الوضاءة باشعتها حجب
__________________
١ ـ الأنعام : ٧٧.