والتبرّي منه في عهد فتوَّة « إبراهيم » ، وشبابه ، اي عندما كان « إبراهيم » لا يزال في مسقط رأسه « بابل » ولم يتوجه بعد إلى فلسطين ومصر وأرض الحجاز.
إننا نستنتج من هذه الآية أن « إبراهيم » قطع علاقته مع « آزر » ـ في أيام شبابه ـ بعد ما أصرّ « آزر » على كفره ، ووثنيته ، ولم يعد يذكره إلى آخر حياته.
٢ ـ لقد دعا « إبراهيم » عليهالسلام في اُخريات حياته ـ أي في عهد شيخوخته ـ وبعد أن فرغ من تنفيذ مهمته الكبرى ( تعمير الكعبة ) واسكان ذريته في أرض مكة القاحلة ، دعا وبكل اخلاص وصدق جماعة منهم والداه ، وطلب من اللّه إجابة دعائه ، إذ قال في حين الدعاء :
« رَبَّنا اغْفِرْ ليْ وَلوالديّ وَلِلمؤمِنينْ يَوْمَ يَقُومُ الحِساب » (١).
إنَ هذه الآية تفيد بصراحة ـ أن الدعاء المذكور كان بعد الفراغ من بناء الكعبة المعظمة ، وتشييدها ، يوم كان إبراهيم يمر بفترة الشيخوخة ، فاذا كان مقصودُه من الوالد في الدعاء المذكور هو « آزر » وانه المراد له المغفرة الالهية كان معنى ذلك أن « ابراهيم » كان لم يزل على صلة ب « آزر » حتّى أنه كان يستغفر له في حين أن الآية التي نزلت رداً على طلب المشركين أوضحت بأن « إبراهيم » كان قد قطع علاقاته ب « آزر » في أيّام شبابه ، وتبرّأ منه ، ولا ينسجم الاستغفار مع قطع العلاقات.
إن ضَمَّ هاتين الآيتين بعضهما إلى بعض يكشف عن أنّ الّذي تبرّأ منه « ابراهيم » في أيام شبابه ، وقطع علاقاته معه ، واتخذوه عدواً هو غير الشخص الّذي بقي يذكره ، ويستغفر له إلى اُخريات حياته (٢).
لقد حلَّ موسم العيد ، وخرج أهلُ بابل المغفّلين الجهلة إلى الصحراء للاستجمام ، ولقضاء فترة العيد ، وإجراء مراسيمه ، وقد أخلوا المدينة.
__________________
١ ـ إبراهيم : ٤١.
٢ ـ مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٢١ ، والميزان : ج٧ ، ص ١٧٠.