واندحارها؟
الثاني : ان هذه الحوادث جاءت لتبرهن على شأن الوليد العظيم ، وانه ليس وليداً عادياً ، فهو كغيره من الانبياء العظام الذين رافقت مواليدهم أمثال تلك الحوادث العجيبة ، والوقائع الغريبة ، كما يخبر بذلك القرآن الكريم فيما يحدثه عن حياة الانبياء ـ كما عرفت ـ وتخبر بها تواريخ الشعوب والملل المسيحية واليهودية.
واساساً لا يلزم ان تكون تلك الحوادث سبباً للعبرة ووسيلة للاتعاظ يوم وقوعها ، بل يكفي ان تقع حادثة في احدى السنين ، ثم يعتبرُ بها الناس بعد أعوام عديدة ، وقد كانت حوادثُ الميلاد النبويّ من هذه المقولة ، لأن الهدف منها كان هو ايجاد هزة في ضمائر اُولئك الناس الذين كانوا قد غرقوا في اوحال الوثنية ، والظلم ، والانحراف الاخلاقي حتّى قمة رؤوسهم ، وعشعشت الجهالة والغفلة في اعماقهم حتّى النخاع.
إن الذين عاشوا في عصر الرسالة ، أو من اتى من بعدهم عندما يسمعون نداء رجل نهض ـ بكل قواه ـ ضدّ الوثنية ، والظلم ، ثم يطالعون سوابقه ، ويلاحظون إلى جانب ذلك ما وقع ليلة ميلاده من الحوادث العظيمة الّتي تتلاءم مع دعوته ، فانهم ولا شك سيعتبرون تقارن هذين النوعين من الحوادث دليلا على صحة دعواه ، وصدق مقاله فيصدِّقونه ، وينضوون تحت لوائه.
إن وقوع أمثال هذه الحوادث الخوارق عند ميلاد الانبياء مثل « إبراهيم » و « موسى » و « المسيح » و « محمَّد » صلّى اللّه عليه وعليهم اجمعين لا يقل اهمية عن وقوعها في عصر رسالتهم ونبوتهم ، فهي جميعاً تنبع من اللُطف الالهي ، وتتحقق لهداية البشرية ، وجذبها إلى دعوة سفرائه ورسله.
لقد اتّفق عامّة كُتّاب السيرة على أن ولادة النبيِّ الكريم كانت في عام الفيل سنة ٥٧٠ ميلادية.
لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم رحل إلى ربه عام (٦٣٢) ميلادية عن (٦٢)