وهذا الحلف بحلف « الفُضول » أيضاً.
فقبل البعثة النبوية الشريفة بعشرين عاماً دخل رجلٌ من « زبيد في مكة في شهر ذي القعدة ، وعرض بضاعة له للبيع فاشتراها منه « العاص بن وائل » ، وحبس عنه حقه ، فاستعدى عليه الزبيديّ قريشاً ، وطلب منهم أن ينصروه على العاص ، وقريش آنذاك في انديتهم حول الكعبة ، فنادى بأعلى صوته :
يا آل فِهر لمظلوم بضاعتُه |
|
بِبطن مكة نائي الدار والنَفَر |
ومُحرمٌ أشعثُ لم يَقض عُمْرتَه |
|
يا للرِّجال وبَيْن الحجر والحَجَر |
إن الحرامَ لِمَن تمَّت كرامتُه |
|
ولا حَرام لِثوب الفاجر القذر |
فأثارت هذه الأبيات العاطفية مشاعر رجال من قريش ، وهيّجت غيرتهم ، فقام « الزُبير بن عبد المطّلب » وعزم على نصرته ، وأيّده في ذلك آخرون ، فاجتمعوا في دار « عبد اللّه بن جَدْعان » وتحالفوا وتعاهدوا باللّه ليكونَنّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتّى يؤدّى إليه حقه ما أمكنهم ذلك ثم مَشوا إلى « العاص بن وائل » فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.
وقد أنشدَ الزبير بن عبد المطلب في ذلك شعراً فقال :
إنَ الفُضُولَ تَعاقَدُوا وتَحالَفوا |
|
ألاّ يقيمَ بِبطن مَكَّة ظالمُ |
أمرٌ عَليْهِ تَعاقَدُوا وتواثقُوا |
|
فالجارُ والمُعترُّ فيهم سالمُ |
وقال أيضاً :
حَلفْت لَنعْقَدن حلفاً عليهمْ |
|
وإن كُنّا جميعاً أهلَ دار |
نسمّيه « الفُضُولَ » إذا عَقَدْنا |
|
يَعُزُّبه الغَريبُ لِذي الجوار |
ويعْلَمُ منْ حَوالي البيتِ أنّا |
|
اُباة الضَيْم نَمنَعُ كُلَّ عار (١) |
وقد شارك رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في هذا الحلف الّذي ضمن حقوق المظلومين وحياتهم ، وقد نُقِلت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم عبارات كثيرة يشيد فيها بذلك الحلف ويعتزُّ فيها بمشاركته فيه وها نحن ننقل حديثين منها في
__________________
١ ـ البداية والنهاية : ج ١ ، ص ٢٩٠.