وفي عظمة الصنع الالهي ، الرائع البديع.
ولقد وقعت في احدى أسواق مكة ذات يوم حادثة هيّجت مشاعره الإنسانية وحركت عواطفه واحاسيسه ، فقد رأى مقامراً قد خسر بعيره وبيته ، بل بلغ الأمر به أن استرقهُ منافسُه عشرة أعوام.
وقد آلمت هذه القصة المأساوية فتى قريش « محمَّد » بشدة ، إلى درجة أنّه لم يَعُد يحتمل البقاء في « مكة » ذلك اليوم فغادرها من فوره وذهب إلى الجبال المحيطة بمكة ثم عاد بعد هزيع من الليل.
لقد كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ينزعج بشدة لهذه المشاهد المحزنة والاوضاع المأساوية ، وكان يتعجب من ضعف عقول قومه ، وانحطاط مداركهم.
ولقد كان بيت « خديجة » قبل زواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ملاذاً للفقراء وكعبة لآمال المساكين والمحرومين ، وبعد أن تزوج النبيُ صلىاللهعليهوآلهوسلم بها لم يطرأ على وضع ذلك البيت أيُ تغيير من جهة الانفاق والبذل.
ففي سنين الجدب والقحط الّتي كانت تضرب مكة وضواحيها بين الحين والآخر ربما قدمت « حليمة السعدية » مكة لتزور ولدها الرضاعي « محمَّد » فكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يكرمها ويحترمها ، ويفرش رداءه تحت أقدامها ، ويصغي لكلامها بعناية ولطف ، وفاء لجميلها ، وعرفاناً لعواطفها واُمومتها.
فقد روي أن « حليمة » قدِمت على رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة بعد تزوّجه خديجة ، فشكت إليه جدب البلاد وهلاك المواشي فكلَم رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم « خديجة » فأعطتها بعيراً واربعين شاة ، وانصرفت إلى أهلها موفورة ، مسرورة.
وروي أيضاً انه استأذنت « حليمة » عليه ذات مرة فلما دخلت عليه قال : « اُمّي اُمّي » وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه (١).
__________________
١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٠٣.