المبدأ والمعاد وعطفه وحنانه على رسول الإسلام ، واهتمامه برسالة خاتم النبيين ، وهي بمجموعها من اقوى الشواهد على توحيده ، وايمانه باللّه ، واعترافه برسالة الرسول الكريم.
وهكذا كان حال كفيل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الثاني ابو طالب عليهالسلام ، فان له مواقفَ بارزة وكثيرة قبل البعثة النبوية ، وبعدها تكشف عن عمق أيمان شيخ الاباطح ، وتوحيده.
ومن تلك المواقف استسقاؤه برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في صباه :
فقد اصاب مكة قحطٌ شديدٌ في سنة من السنين فطلبت قريش من « أبي طالب » أن يستسقي لها فخرج ومعه غلامٌ ـ وهو رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كأنه شمسُ دجن تجلّت عنها سحابة قتماء وحوله اُغيلمةٌ ، فأخذه « أبو طالب » فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ الغلام باصبعه ( أي أشاربها إلى السماء ) وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا ، وأغدق ، واغدودق وانفجر له الوادي ، واخصب البادي والنادي.
ففي ذلك يقول ابو طالب ـ في مدح رسول اللّه ـ :
وابيضُ يُستَسقى الغمامُ بوجهه |
|
ثمالُ اليتامى عِصْمةٌ لِلأرامِلِ |
يَلُوذُ بِهِ الهُلاكُ مِن آلِ هاشِم |
|
فَهُمْ عِنْدهُ في نَعمة وَفَواضِل |
وميزانُ عَدْل لا يَخيسُ شعيرة |
|
ووَزّانُ صِدْق وزنُه غير هائل (١) |
وكل هذا يعرب عن توحيد كفيلي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الخالص ، وايمانهما باللّه تعالى ، ولو لم يكن لهما إلاّ هذين الموقفين لكفياهما دليلا وبرهاناً على كونهما مؤمنين موحدِين.
__________________
١ ـ شرح البخاري للقسطلاني : ج ٢ ، ص ٢٢٧ ، المواهب اللدنية : ج ١ ، ص ٤٨ ، السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ١٢٥ ، وللتوسع راجع الغدير : ج ٧ ، ص ٣٤٥ و ٣٤٦ ، وقد ذكرنا مواقف ابي طالب الايمانية عند البحث عن شخصيته فراجع.