إذا قلنا : ان وظيفة الانبياء في تربية الناس واصلاح نفوسهم هي وظيفة البستاني في تربية شجيرة من الشجرات ، أو قلنا : أن مَثَل الأنبياء في قيادة التوجّهات الفطرية البشرية وهدايتها ، مثل المهندس الذي يستخرج المعادن الثمينة من بطون الاودية والجبال ، لم نكن في هذا القول مبالغين.
وتوضيح ذلك ان النبتة ، أو الشجيرة الصغيرة تحمل من بداية انعقاد حبتها الاُولى كل قابليات النمو ، والرشد ، فاذا توفَر لها الجوُ المناسب للنمو ، دبّت الحياة والحركة في كل أجزائها ، واستطاعت بفعل جذورها القوية واجهزتها المتنوعة وفي الهواء الطلق ، والضوء اللازم ، من أن تقطع أشواطاً كبيرة من التكامل ، والنمو.
فمسؤولية البستاني في هذه الحالة تتركز في امرين :
١ ـ توفير الظروف اللازمة لتوقية جذور تلك النبتة لكي تظهر القوى المودعة في تلك النبتة أو الشجيرة ، وتخرج من حيّز القوة إلى مرحلة الفعلية ، والتحقق.
٢ ـ الحيلولة دون تعرض تلك الشجرة أو النبتة للانحرافات والآفات ، وذلك عندما تتجه القوى الباطنية صوب الوجهة المخالفة لسعادتها ، وتسلك طريقاً ينافي تكاملها.
ومن هنا فان مسؤولية البستاني ووظيفته ليست هي ( الإنماء ) بل هي ( المراقبة ) وتوفير الظروف اللازمة ليتهيّأ لتلك الشجرة والنبتة أن تبرز كمالها الباطني.
لقد خلق اللّه سبحانه البشرَ وأودع في كيانه طاقات متنوعة ، وغرائز كثيرة ، وعجن فطرته وجبلَّته بالتوحيد ، وحبّ معرفة اللّه ، وحبّ الحق والخير ، والعدل والانصاف ، كما وأودع فيه غريزة السعي والعمل.
وعندما تبدأ خمائر هذه الامور وبذورها الصالحة المودوعة بالعمل والتفاعل في كيان الإنسان تتعرض في الجو الاجتماعي لِبعض الانحرافات بصورة قهرية ،