والمواصفات المعينة لم يُمنح له ذلك المنصب قط. وتقع العصمة والسكينة القلبية ، والاعتماد والتوكل في طليعة هذه الخصال والمواصفات ، ومع هذه الأوصاف والخصال يستحيل أن يدور في خلده مثل تلك التصورات الخاطئة.
ولقد قال العلماء : إنّ المسيرة التكاملية عند الانبياء تبدأ من فترة الطفولة والصبا ، فان الغشاوات والحجب تبدأ تتساقط وتنقشع الواحدة تلو الاُخرى منذ ذلك الوقت ، ويستمر ذلك حتّى تصل الاحاطة العلمية لديهم حدَّ الكمال فلا يشكّون في شيء يرونه أو يسمعونه أبداً ، ومن حاز هذه المراتب لا يمكن أن يتطرق الشك والحيرة والتردّد إلى قلبه وعقله مطلقاً.
إنَّ آيات سورة « الضحى » وخاصة عبارة « ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى » تفيد فقط بأن هناك من قال مثل هذه العبارة للنبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمّا مَن هو قائلها؟ وكم تركت هذه العبارة مِن تأثير في نفسية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وروحيته فهي ساكتة عن كل ذلك؟
وذهب بعضُ المفسّرين إلى أن قائلها هم بعضُ المشركين ، ولهذا الاحتمال لا تكون جميع الآيات مرتبطة ببدء الوحي ، لأنه لا أحد غير « علي » و « خديجة » كان يعرف في بدء البعثة بنزول الوحي ، ليتسنّى له أن يعترض على رسول اللّه ، ويعيّره بانقطاعه عنه بعد ذلك ، فإن أمر المبعث والرسالة ـ كما سنقول ذلك فيما بعد ـ بقي خافياً على أكثر المشركين لمدة ثلاثة اعوام تماماً ، فهو لم يكن مكلَّفاً بابلاغ رسالته إلى عامة الناس ، إلى أن نزَل قولُه تعالى : « فاصدَعْ بما تؤمر » الّذي أمره اللّه فيه بالجهر بأمر رسالته لعامة الناس بلا استثناء.
لم يرد في القرآن الكريم أيُ ذكر مطلقاً لمسألة ( انقطاع الوحي ) بل لم ترد به إشارة أيضاً ، إنما نلاحظها في كتب السيرة والتفسير فقط ، ويختلف كُتّاب السيرة والمؤرّخون في علة ( انقطاع الوحي ) هذا ، ومدته اختلافاً كبيراً يجعلنا لا نعتمد على أي واحد منها ، وها نحن نشير اليها بشكل مّا :