إن هذه العبارة الّتي قالها « العاص » لانقاذ الخليفة الثاني من أيدي الذين اجتمعوا على قتله تفيد ـ بوضوح ـ أن الخوف من قبيلة « عمر » هو الّذي كان وراء تركهم إياه وعدم قتله ، وقد كان دفاعُ القبائل عن أبنائها سنة فطرية وعادة متعارفة يومذاك وكان يتساوى فيها الكبير والصغير ، والشريف والوضيع.
أجل إنّ بني هاشم هم كانوا ـ في الواقع ـ الحصن الحقيقي للمسلمين ، وقد كان القسط الأكبر من هذا الأمر يتحمله « أبو طالب » وذووه ، وإلاّ فانَّ الاشخاص الآخرين الذين كانوا ينضمُّون إلى صفوف المسلمين لم يكن لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم ، فكيف بالدفاع عن الإسلام وجماعة المسلمين ليقال بأن المسلمين اعتزوا بهم؟
لقد أغضب تقدمُ الإسلام المطرد قريشاً بشدة فلم يمرُّ يوم دون أن يبلغهم نبأ عن انضمام واحد من أفراد قريش إلى صفوف المسلمين ولأجل هذا راح مرجل الغضب والحنق على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يغلي في نفوسهم ، فهذا فرعون مكة « أبو جهل ... لقريش في مجلس من مجالسهم : يا معشر قريش إن محمَّداً قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آهلتنا ، واني اُعاهِدُ اللّه لأَجلسنَّ له غداً بحجر ما اُطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضختُ به رأسه.
فلما كان من غد أخذ « أبو جهل » حجراً كما وصَف ثم جلس لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ينتظره ، وغدا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على عادته ووقف للصلاة بين الركن اليمانيّ والحجر الأسود ، وغدت تلك الجماعة من قريش فجلست في انديتها تنتظر ما ابو جهل فاعلٌ ، فلما سجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أحتمل « أبو جهل » الحجر ، ثم اقبل نحوه ، حتّى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مَرعوباً وقذف الحجَر من يده ، فقامت إليه رجالٌ من قريش وقالوا له : مالك يا أبا الحكم؟ فقال بصوت ضعيف يطفح بالخوف والرعب : قمت إليه