فقام « عتبة » إلى أصحابه وقد تغيَّرت ملامحُه فقال بعضهم لبعض : نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهبَ به!! فلما جَلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد؟
قال : ورائي اني قد سمعت قولا واللّه ما سمعت مثله قط ، واللّه ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فواللّه ليكوننَّ لقوله هذا الّذي سمعتُ منه نبأ عظيم ، فان تصِبهُ العربُ فقد كفيتموه بغيركم ، وان يظهر على العرب فمُلكه ملكُكُم ، وعزُه عزّكم ، وكنتم أسعد الناس به.
فانزعجت قريشٌ من مقالة « عتبة » هذا وسخرت به وقالت : سحرَكَ واللّه يا ابا الوليد بلسانه!!
قال : هذا رأيي ، فاصنَعوا ما بدا لكم (١).
هذان نموذجان من رأي كبار فصحاء العرب في العهد الجاهليّ ، في القرآن الكريم.
على أن هناك أمثلة ونماذج اُخرى كثيرة في هذا المجال.
اجتمع « عتبة بن ربيعة » ، و « شيبة بن ربيعة » و « أبو سفيان بن حرب » و « النضر بن الحارث » ، و « أبو البختري » ، و « الوليد بن المغيرة » ، و « ابو جهل » و « العاص بن وائل » وغيرهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : إبعثوا إلى « محمَّد » فكّلِمُوه ، وخاصموه حتّى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه ؛ فجاءهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم سريعاً وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلَّمهم فيه بداء وانهم قد غَيَّروا مواقفهم ، وكان يحبّ رشدهم وهدايتهم حتّى جلس إليهم.
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٩٣ و ٢٩٤.