١ ـ إن الرسولَ الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يتحمَّل مسؤوليات كبرى ، وان شخصية كهذه من الطبيعي ان يواجه مشاكلَ ومتاعَب باهضة وصعبة ، ولا ريب أن تلك المشاكل والمتاعب توجب الكلل ، وانخفاض مستوى النشاط مهما كانت الروحُ الّتي يتمتع بها الشخصُ عظيمة ، وقويّة ، في مثل هذه الحالة يكون تجديدُ الارتباط بالعالم الأعلى ، وتكرّرُ نزول الملك من جانب اللّه تعالى باعثاً على تجدّد النشاط ، وعاملا قوياً في بثّ القوة والحماس والمعنوية الفاعلة في نفس النبيّ وروحه ، وبالتالي فان العناية والمحبّة الالهية الممتدّة لنبيّه ورسوله إنما تتجدد بتكرّر نزول الوحي عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم من جانبه تعالى.
وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة النفسية الكبرى إذ قال : « كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِه فُؤادَكَ » (١).
٢ ـ ويمكن ان تكون الجملةُ المذكورة ناظرة إلى جهة اُخرى وهي : انَ المصالح التربوية والتعليمية تقتضي أن يتنزلَ القرآنُ الكريمُ على نحو التدريج ويُلقى إلى الناس على هذا الشكل ايضاً وذلك لان النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم معلّم الاُمة ، وطبيبُها الروحيُ الّذي بُعِث إلى الناس بالوصفات الالهية لتعليمهم ، وهدايتهم ومعالجة أمراضهم وأدوائهم الاجتماعية والخلقيّة ، والفكرية ، وكُلِّفَ بأن يُطبِّق هذه الوصفات في حياتهم العملية ، ومثل هذا يتطلب التدرّج لينفَع الدواء ـ حينئذ ـ وتنجعَ المعالجةُ.
إن أفضل وأنجح أساليب التربية هو أن يمتزج الجانب العمليّ بالجانب النظري في أيّة محاولة تربوية ، وأن يطبق كل ما يدرسه الاستاذ بصورة عملية تطبيقية ، ويعطي لما يلقيه من معلومات ، صبغة تحقيقية ، ويتجنَبَ بشدة إتصافَ أفكاره وآراءه بالطابع النظريّ البحت.
فلو أن الاستاذ المتخصّص في الطبّ اكتفى بالقاء جملة من المعلومات الكليّة والاُسس العامة من الطبّ على طلابه في الصف حُرم النتائج المتوخّاة والغايات
__________________
١ ـ الفرقان : ٣٢.