المطلوبة من تعليم الطبّ ، بشكل كامل.
أما إذا قَرنَ الاستاذ درسَه النظري بالإرشاد العمليّ وطبَّق ما ألقاه وبيّنه من أفكار ومعلومات في هذا المجال على جسم مريض راقد أمام الطلبة فانه سيحصل على نتائج أحسن ، ويساعد الطلبة على فهم افضل للمواد الّتي درسوها في هذا المجال.
فلو أنَّ الآيات القرآنية الكريمة قد نزلت جملةً واحدة ( والحال أن المجتمع الإسلامي لم يكن يحتاج إلى كثير منها ) كان القرآن ـ حينئذ ـ فاقداً لهذه المزية التربوية الهامة الّتي أشرنا إليها قريباً في مثال تدريس الطب.
ان بيان الآيات الّتي يشعر الناس في انفسهم بعدم الحاجة إلى اخذها وتعلّمها ، لا يترك التأثيرَ الباهرَ في القلوب ، بينما إذا نزل ملائكة الوحي بآيات القرآن حسب حاجات الناس الّتي يشعرون فيها بضرورة تعلّمها لتضمِّنها الأحكامَ والاُصولَ والفروعَ الّتي يحتاجون إليها فانه لا شكَّ يكون لها في هذه الحالة تأثير أحسن وأقوى في قلوب الناس. كما سيكون لها ترسّخٌ اكبر في نفوسهم ، وسيظهرُ الناس من انفسهم إستعداداً اكبر لاخذ ألفاظها ومعانيها ، وفوق كل ذلك سيشعرون بنتائج هذه التعاليم عند تعليم النبيّ إيّاها لهم ، وعندئذ تتحقق المقولة التربوية الّتي اشرنا إليها في ما سبق وهي اقتران كلام المربّي بالنتيجة لأن النظريات إتخذت طابعاً عملياً ، ولم تكن مجرد نظريات لا ترتبط بالواقع.
ولكن يبقى هنا سؤالٌ آخر وهو : إذا كان نزولُ القرآن قد تحقَّق على نحو التدريج وتبعاً للاحتياجات والحوادث المختلفة ، فان ذلك يستلزم انفصام العلاقات والروابط بين الآيات والسور ، وهذا ينتج أن لا يهتم الفكر البشري بتعلّم وحفظ معارفها لتبعثرها ، وتباعد أزمنتها وغياب علاقاتها ، ولكن لو نزل القرآنُ جملة واحدة وتلاه ملائكة الوحي على رسول اللّه دفعة واحدة لرُوعيَت الروابطُ والعلاقات بين قضايا الوحي ولتضاعَفَت رغبةُ الناس واستعدادهم لأخذها وحفظها؟