من كل اذى ، ولكن الذين آمنوا به من الإماء والعبيد ، ومن ليست لهم حماية من الأحرار المستضعفين الّذين كانوا يشكلون عدداً كبيراً من المسلمين السابقين كان يتعرضون لشتى صنوف العذاب والايذاء والمضايقة من قريش الّتي لم تأل جهداً ، ولم تدخر وسعاً ، ولم تفوّت فرصةً ولا وسيلةً لالحاق العنت والأذى بالمؤمنين برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا يستطيع صلىاللهعليهوآلهوسلم منعهم من ذلك.
وقد كان زعماء كل قبيلة يعمدون ـ للمنع من نشوب أيّ صِدام بين القبائل ـ إلى تعذيب من اسلم من ابناء قبيلتهم ، وايذائه والتنكيل به ، وقد مرت عليك نماذج وامثلة من أذى قريش وتعذيبها القاسي للمسلمين.
لهذه الأسباب عند ما طلب أصحابُ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رأيه في الهجرة من مكة قال في جوابهم :
« لَوْ خَرجْتُمْ إلى أرض الحَبَشة فانَّ بِها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أحَدٌ وهي أرضُ صِدْق حَتى يَجعَلَ اللّهُ لكُم فَرَجاً ممّا أنتُم فيهِ » (١).
أجَل انَ مجتمعاً صالحاً يتسلَّم زمامَ الأمر فيه رجلٌ صالحٌ عادلٌ نموذج مصغّر من جنّة عدن بالنسبة إلى المسلمين المضطهدين في بلدهم بسبب عقيدتهم ، وهو ما كان يريده ويتمناه أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ليتمكنوا من القيام بشعائر دينهم فيه في جوٍّ من الطمأنينة والامن.
ولقد كان لكلام رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أثر قوىٌ في نفوسهم تلك الثلة المؤمنة الباحثة عن ارض تعبد فيها اللّه في أمان ، بحيث لم يمض زمان إلاّ وقد شدّت رحالها وغادرت مكة ليلا في غفلة من الاجانب ( المشركين ) مشاة وركباناً ، متجهةً نحو جدّة ، للسفر عبر مينائها إلى ارض الحبشة.
وكان هذا الفريق يتألف من عشر أو خمسة عشر شخصاً بينهم أربعة من
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٢١ ، تاريخ الطبري ج ٢ ، ص ٧٠ ، وبحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٤١٢ نقلا عن مجمع البيان للطبرسي.