عنه القرآن الكريم بالنسيء ثمّ نهى عنه وعدّه كفراً إذ قال : « إنّما النّسيء زيادةٌ في الكُفْر يُضَلُّ به الَّذينَ كَفرُوا يُحِلونَهُ عامَاً وَيحرِّمُونهُ عاماً ليُواطئوا عدَّة ما حَرَّمَ اللّه فيحلّوا ما حَرَّمَ اللّه زيِّنَ لهُم سوء أعْمالِهمْ واللّه لا يهدي الْقومَ الْكافِرينَ » (١).
وقد ذكرت كُتُب التاريخ والسير كيفية النسيء وتأخير الأشهر الحرم ، الّذي كان يتم بصورة مختلفة منها : أن جماعة ما لو كانت ترغب في استمرار الغارة والقتال ولم تطق تاخير النضال مدة الاشهر الحرم كانت تطلب من سدنة الكعبة ، لقاء ما تقدمه لهم من هدايا واموال ، تجويز الغارة والقتال في شهر محرم ، وتحرم القتال في شهر صفر بدله ليتم عدد الأشهر الحرم ( وهي اربعة ). وهذا هو معنى قوله تعالى : « ليُواطِئوا عدةَ ما حَرَّمَ اللّهُ » وكانوا إذا أحلُّوا الْقتالَ والغارة في المحرم من سنة حَرَّمُوه في المحرم مِنَ السَنة التالية ، وهذا هو معنى قوله تعالى : « يُحلُّونَهُ عاماً ، ويُحرِّمُونِه عاماً ».
وممّا يشير إليه القرآنُ الكريم من المفاسد الشائعة ، والأعمال المنكرة في المجتمع العربي الجاهلي قبل الإسلام : « الربا » الّذي كان يشكل العمود الفقري في اقتصاد ذلك المجتمع.
وقد حاربَ القرآنُ الكريمُ هذه العادة المقيتة ، وهذا الفسادَ الاقتصادي حرباً شعواء ، إذ قال تعالى : « يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا اتّقوا اللّهَ وَذَرُوا ما بقيَ مِنَ الرِّبا إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ. فَإنْ لَم تَفْعَلُوا فَأذَنُوا بِحَرب مِنَ اللّهِ وَرَسُولِه وانْ تُبْتُمْ فَلكُمْ رُؤُوسُ اموالِكُمْ لا تَظْلِمونَ وَلا تظْلَمُونَ » (٢).
والعجيب أنهم كانُوا يُبّررونَ هذا العمل اللإنساني بقولهم « إنّما البيعُ مِثلُ الرِّبا » (٣) فاذا كان البيعُ حلالا وهو اخذ وعطاء فليكن الرّبا كذلك حلالا ، فإنه أخذٌ وعطاء أيضاً ، مع أن « الرّبا » من ابشع صور الاستغلال ، وقد ردَّ
__________________
١ ـ التوبة : ٣٧.
٢ ـ البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.
٣ ـ البقرة : ٢٧٥.