وهذا الشيء هو قصة الغرانيق »!! (١).
ولكن يجب أن نسأل هذا المستشرق المحترم :
أولاً : لماذا يجب أن تكون عودة المهاجرين ناشئة عن نبأ صحيح حتماً.
إن النفعيين وذوي الأهواء والأغراض يسعون دائماً إلى بثّ عشرات بل مئات الأخبار الكاذبة بين جماعتهم لتحقيق مارب خاصّة لهم ، فما الّذي يمنع من أن نحتمل أن هناك من افتعل خبر مصالحة النبيّ لقريش بهدف إرجاع المهاجرين من الحبشة إلى « مكة ». وقد صدق بعض اُولئك المهاجرين هذا الخبر الكاذب فعادوا إلى أرض الوطن ، بينما لم ينخدع الآخرون بها وبقوا في الحبشة ولم يعودوا إلى مكة؟؟
ثانياً : لنفترض أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد أن يصالح قريشاً ، فهل يكونُ الطريق إلى السلام والمصالحة منحصراً في افتعال هاتين الجملتين.
ألم يكن إعطاء مجرَّد وَعد مناسب أو مجرّد السكوت عن عقائدهم كافياً لتهدئة خواطرهم ، واجتذاب قلوبهم نحوه؟
وعلى كلّ حال فان عودة المهاجرين لا يكونُ دليلا على صحّة هذه الاُسطورة كما أن المصالحة ، والتقارب غير متوقفين على النُطق بهاتين الجملتين.
والأعجب من هذا أن البعضَ تصوَّر الآيات ( ٥٢ ـ ٥٤ من سورة الحج ) قد نزلت في قصة الغرانيق.
وحيث أن هذه الآيات قد وقعت ذريعة بأيدي المستشرقين ومرتكبي جريمة التحريف في التاريخ ، فاننا نعمدُهنا إلى توضيح مفاد هذه الآيات ، ونبين للقارئ بأنها تنظر إلى امر آخر ، ولا ترتبط بهذه القصة بتاتاً.
وها هو نصُّ الآيات المشار إليها : « وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِيٍّ * إلا إذا تَمنّى ألْقى الشَيْطانُ في اُمْنِيَّتِه فَيَنْسَخُ اللّه ما يُلقي الشَيطانُ ثمَ يُحْكِمُ اللّه آياتِه ، واللّه عَليمٌ حَكيمٌ
____________
١ ـ راجع حياة محمَّد : ص ١٦٥ و ١٦٦.