فلما سمع « أسعد » هذا قال له : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنك رسولُ اللّه ، يا رسول اللّه بأبي أنت واُمي ... (١).
إن الامعان في مفاد هاتين الآيتين يغنينا عن دراسة شاملة وواسعة لاوضاع العرب الجاهلية لأن هاتين الآيتين تكشفان عن الأمراض الاخلاقية الّتي كانت تكتنف حياة العرب الجاهلية. ولهذا تلا رسول اللّه الآيات الّتي تشير إلى هذه الادواء والامراض ليلفت نظر « أسعد » إلى أهداف رسالته الكبرى.
عند ما رفع « إبراهيم الخليل » لواء التوحيد في البيئة الحجازية ، واعاد بناء الكعبة المعظمة ورفع قواعدها بمعونة ابنه « اسماعيل » ، تبعه في ذلك طائفة من الناس ممن أنار اللّه به قلوبهم ، الاّ انه من غير المعلوم إلى ايّ مدى استطاع ذلك النبي العظيم أن يعمّم دين التوحيد ويبسط لواءه على الجميع ، ويؤلف صفوفاً متراصة ، وجبهة عريضة قوية من الموحدين ، غير ان من المعلوم انه اصبحت تلك المنطقة مسرحاً للوثنية ولعبادة الاشياء المختلفة مع الايام فقد كانت الطبقة المثقفة من العرب تعبد الكواكب والقمر ، فهذا هو المؤرخ العربي الشهير الكلبي الّذي توفى عام ٢٠٦ هجرية يكتب في هذا الصدد قائلا كان « بنومليح » من خزاعة يعبدون الجن وكانت « حمير » تعبد الشمس ، و « كنانة » تعبد القمر ، و « تميم » الدبران ، و « لخم » و « جذام » المشتري ، و « طي » سُهيلا ، و « قيس » الشِعرى ، و « أسد » عطارداً.
أما الدهماء والذين كانوا يشكلون اغلبية سكان الجزيرة فقد كانوا يعبدون ـ مضافاً إلى الصنم الخاص بالقبيلة أو العائلة ـ ثلاثمائة وستين صنماً ، وكانوا ينسبون أحداث كل يوم من أيام السنة إلى واحد منها.
وقد دخَلَتْ عبادةُ الأصنام والأوثان في مكة بعد « إبراهيم الخليل »
__________________
١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٨ و ٩ ، اعلام الورى : ص ٣٥ ـ ٤٠.