وعند وفاته قال لأولاده :
« اُوصيكم بمحمّد خيراً فانّه الأمينُ في قُريش وهو الجامعُ لكلّ ما اُوصيكم به ، وقد جاءَ بأمر قبله الجَنان ، وانكره اللِسان مخافة الشنئان ، وأيم اللّه لكأنّي انظرُ إلى صعاليك العرب ، وأهل البرّ في الاطراف ، والمستضعفين من الناس ، قد أجابوا دعوته ، وصدّقوا كلمته ، وعظّموا أمره فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ، ودُورُها خراباً ، وضُعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ... ».
ثم ختم وصيته هذه بقوله :
يا معشر قريش كونوا له ولاةً ، ولحزبه حماةً ، واللّه لا يسلك أحدٌ منكم سبيله الارشد ، ولا يأخذ أحد بهديه الاّ سعد (١).
نحن لا نشك في أن « أبا طالب » كان صادقاً في اُمنيّته هذه لأن خدماته الكبرى وتضحياته المتواصلة خلال عشر سنوات من بداية عهد الرسالة شاهدة على صدق مقاله ، كما كان صادقاً في الوعد الّذي قطعه على نفسه لابن أخيه ( محمّد ) في مبدأ البعثة عندما جمع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أعمامه وعشيرته الأقربين ودعاهم إلى الإسلام فقال له ابو طالب :
« اُخرج يا ابن أخي فانّكَ الرفيعُ كعباً ، والمنيع حزباً ، والأعلى أباً.
واللّهِ لا يَسلِقُك لسانٌ الاسلَقتهُ ألسن حِداد ، واجتذَبته سيوفُ حداد.
واللّهِ لَتَذلَنَّ لَكَ العربُ ذلَّ البُهم لحاضِنها » (٢).
* * *
__________________
١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٣٥١ و ٣٥٢.
٢ ـ الطرائف تأليف السيد ابن طاووس : ص ٨٥ ، نقلا عن كتاب غاية السؤول في مناقب آل الرسول تأليف ابراهيم بن علي الدينوري.