٢ ـ قدم « انس بن رافع » مكّة ومعه فتيةٌ من بني عبد الاشهل فيهم « ياس بن معاذ » أيضاً ، يلتمسون الحلف والنصرة على قومهم من الخزرج ، فسمع بهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فأتاهم وجلس اليهم وقال لهم : هل لكم في خير مما جئتم له؟
فقالوا له : وما ذاك؟
قال : « أنا رسول اللّه بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئاً وانزل عليّ الكتاب » ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.
فقال أياس بن معاذ وكان غلاماً حدثاً شهماً : أي قوم هذا واللّه خير مما جئتم له.
فقد أدركَ جيّداً أنَ دينَ التوحيد يكفُلُ كلَّ حاجاتهم فهو دينٌ شاملٌ مباركٌ لأنه سيصهِرُ الجميعَ في بوتقة الاُخوَّة الواحدةِ فتزول عندئذ أسبابُ العداء والقتال ، وبذلك ينهي كل مظاهرِ الحرب والتنازع ، وكلَّ مظاهر الفساد والتخريب فهو افضل من طلبِ المساعدة العسكرية من قريش الّتي جاؤوا من أجلها إلى مكة ، فآمن برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من دون ان يكسب رضا رئيس قبيلته « انس بن رافع » واستئذانه ، ولهذا غضب أنس وأخذ حفنة من تراب البطحاء وضرب بها وجهَ إياس وقال : دعنا منك فعمري لقد جئنا لغير هذا ، فصمَتَ اياس وقام رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج ولم يلبث اياس ان هلك ، وقد سمعه قومٌ حضروا عند وفاته يهلّل اللّه تعالى ويكبّره ويحمده ويسبّحه حتّى مات ، فما كانوا يشكّون أنه قد مات مسلماً ، ولقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما سمع (١).
كانت وقعة بُعاث من الحروب التاريخية بين الأوس والخزرج ، ففي هذه
__________________
١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٧ و ٤٢٨.