الأوسويون المغلوبون ، هذه المرة ، وهزموا الخزرج هزيمة نكراء واحرقت مزارعهم ونزل بهم ما نزل على يد الاوسيين!! (١).
ثم تتابعت الحروب والمصالحات بعد ذلك ، وكانت القبيلتان تتحملان في كل مرة خسائر كبرى ، جعلتهم يواجهون عشرات المشاكل الّتي حوّلت حياتهم إلى حياة مضنية متعبة جداً.
من هنا لم تكن كلتا القبيلتين راضيتين على أوضاعهما ، وكانتا تبحثان عن مخلص مما هما فيه ، من الحالة السيئة ، وتفتشان عن نافذة أمل ، ومخرج من تلك المشاكل.
ولهذا وجد الخزرجيون الستة ضالّتهم المنشودة عندما التقوا ـ ولاول مرّة ـ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمعوا منه ما سمعوا ، فتمنّوا أن يضعوا به حداً لاوضاعهم المتردية إذ قالوا له : عسى أن يجمعهم اللّه بك فان جمعهم اللّه بك فلا رَجلَ أعزّ منك.
كانت هذه هي بعض الأسباب الّتي دعت اليثربيين إلى تقبّل الإسلام بشوق ورغبة وحماس.
كانت قريش تغطّ في نوم عميق وكانت تتصور بانها قد حدّت من تقدم الإسلام في مكة وانه قد بدأ يتقهقر ويسير باتجاه السقوط والاندحار ، وأنه لن ينقضي زمانٌ إلاّ وتنطفئ جذوة الإسلام وتخمد شعلته ، وتنمحي آثاره.
وفجأة استيقظت على دويّ بيعة العقبة الثانية الّتي كانت بمثابة انفجار قلبت كل المعادلات ، وأسقطت كل تصورات قريش الساذجة ، وذلك عند ما عرف زعماء الوثنيين بأن ثلاثاً وسبعين شخصاً من اليثربيين عقدوا ليلة أمس وتحت جنح الظلام بيعة مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن يدافعوا عنه كما
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ : ج ١ ، ص ٤١٧ و ٤١٨.