قرأ عليه قول اللّه تعالى : « وَإذْ يَمْكُرُ بكَ الّذينَ كَفَرُوا ليُثْبِتوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أو يُخْرجُوكَ وَيَمْكُرونَ وَيَمْكُر اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْماكِرينِ » (١).
وعندئذ اُمِرَ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة ، ولكنّ التخلص من أيدي القساة المكلّفين بقتله من قبل زعماء الوثنيين وبالنظر إلى المراقبة الدقيقة الّتي كانوا يقومون بها لجميع التحركات ، لم يكن بالأمر السهل وخاصة بالنظر إلى بُعد المسافة بين مكة والمدينة.
فاذا لم يكن رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يخرج من مكة وفق خطة دقيقة صحيحة كان من المحتمل جداً أن يدركه المكيّون في أثناء الطريق ويقبضوا عليه ويسفكوا دمه الشريف قبل ان يصل إلى أتباعه وأصحابه.
ولقد ذكر المفسرون والمؤرخون صوراً مختلفة لكيفية خروج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرته والاختلاف الّذي نلاحظه بين هؤلاء المفسرين والمؤرخين في خصوصيات وتفاصيل هذه الواقعة مما يقل نظيرة في غيره من الوقائع.
وقد استطاع مؤلف « السيرة الحلبية » أن يُوفّق إلى درجة مّا ، بين المنقولات والمرويات المختلفة ببيان خاص ، ولكنه لم يوفّق لازالة التناقض والاختلاف فى بعض الموارد في هذا الصعيد.
على أنّ الموضوع الجدير بالإهتمام هو أن اكثر المؤرّخين الشيعة والسنة نقل كيفية هجرة النبيّ ، وخروجه من منزله ، ثم من مكة بنحو مؤداه إسناد نجاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وخلاصه إلى عامل الاعجاز ، وبالتالي فقد اسبغوا عليه صبغة الكرامة ، والمعجزة.
في حين أن الإمعان في تفاصيل هذه القصة يكشف عن أن نجاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت نتيجة سلسلة من الاجراءات الاحترازية ، والتحسبات ، والتدابير الحكيمة ، وإن إرادة اللّه تعالى تَعَلّقت بان ينجّي نبيّه
____________
١ ـ الانفال : ٣٠. ليثبتوك أي ليسجنوك.