الهجرة النبوية المباركة ، لأن هجرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فتحت ـ في الحقيقة ـ صفحةً جديدةً في حياة البشرية ، فقد خرج رسول الإسلام واتباعه من بيئة مكة الرازحة تحت الكبت ، إلى بيئة مناسبة حرة مكنّتهم من إحداث انطلاقة كبرى لم يشهد التاريخُ البشريُ برمّته لها مثلا.
فقد استقبل اهلُ المدينة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن هاجر معه من المسلمين إلى يثرب استقبالا حاراً ، ووضعوا تحت تصرّفه كلَّ ما توفر لديهم من الامكانات والقوى ، فلم يمض زمن إلاّ وتمتع الإسلام بفضل هذه الهجرة المباركة بتشكيلات سياسية وعسكرية ، واتخذ صورة وشكلَ حكومة قوية لها وزُنها ، وشأنُها ، وجانبُها المرهوب في شبه الجزيرة العربية ، وسرعان ما نشر رايته على البسيطة كلها تقريباً ، وأسس حضارةً عظمى لم تر البشرية لها نظيراً.
فاذا لم تحدث تلك الهجرة المباركة المعطاء لقُضي على الإسلام في محيط مكة ، وحُرمَ العالم الانساني من هذا الفيض العظيم.
من هنا ، ولأجل هذا اتخذ المسلمون هجرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مبدءً لتاريخهم ، ودأبوا على ذلك إلى الآن حيث ينقضي أكثر من ألف وأربعمائة عام ، أي أن هذه الامة الكبرى تركت وراءها إلى هذا اليوم أربعة عشر قرناً من الأمجاد والمفاخر ، وهي الآن على أعتاب القرن الخامس عشر؟
على العكس مما هو مشهور بين المؤرخين من أن الخليفة الثاني جعل هجرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مبدءً للتاريخ باقتراح وتأييد من الامام أمير المؤمنين علي عليهالسلام وامر بأن تؤرخ الدواوين ، والرسائل والعهود وما شابه ذلك بذلك التاريخ ، فان الامعان في مراسلات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومكاتباته الّتي هي مدرجة في الأغلب في كتب التاريخ والسيرة والحديث والسنة ، وكذا غير ذلك من الادلة الّتي سوف نذكرها في هذه الصفحات يثبت أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ ،