فلما وجدوا ما به من الجدّ والغضب خافوه وتفرّقوا عنه وقالوا : بنبرة الخائف المتضرع ـ : إحبس عنّا نفسَكَ يا ابن أبي طالب ، فقال عليهالسلام :
« فإنّي مُنْطَلِقٌ إلى ابن عمّي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بيثرب فمن سرّهُ ان اُفري لحمه واُهريق دمه فليتبعني ، وليدنُ مني ».
فتركه القومُ وعادوا من حيث أتوا ، وواصل الركبُ رحلته باتجاه المدينة.
يقول ابن الاثير : قدم « علي » المدينة وقد تفطّرت قدماه ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادعوا لي عليّاً ، قيل : لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم (١).
ولقد قدم رسول اللّه قباء في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، والتحق به عليُّ عليهالسلام في منتصف ذلك الشهر نفسه (٢) ، ويؤيد هذا القول ما ذكره الطبري في تاريخه إذ كتب يقول : واقام علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتّى أدى عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الودائع الّتي كانت عنده إلى الناس (٣).
ولقد كان يوم دخول رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً عظيماً جداً ، ومشهوداً.
فكم ترى ستكون عظيمةً فرحةُ الذين آمنوا برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ ثلاث سنوات ، وظلوا طوال هذه الأعوام يبعثون برسلهم ووكلائهم إليه ، ويذكرون اسمه المقدس ، ويصلّون عليه في صلواتهم كل يوم ، إذا سمعوا أن
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ : ج ٢ ، ص ١٠٦.
٢ ـ إمتاع الأسماع : ص ٤٨ وعلى هذا تكون محاصرة بيت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تمّت ثلاث ليال قبل شهر ربيع الاول من السنة الاُولى من الهجرة ، وقد خرج النبيّ من داره ليلة الاثنين ودخل غار ثور وبقي ماكثاً فيه ثلاثة أيام ، وخرج منه ليلة الخميس اول ربيع الاول وتوجه نحو المدينة ووصل قباء في الثاني عشر منه راجع تاريخ الخميس : ج ١ ، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨.
٣ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٣٨٢.