وقد وصف الإمامُ عليّ أميرُ المؤمنين عليهالسلام تلك الحالة في خطبه ، وحيث أنه عاصر ذروة ذلك الوضع المأساوي ووصفه وصفاً دقيقاً لذلك ينبغي أنْ نقف عند كلامه قليلا ليتبين لنا جيداً ما كان عليه العربُ إبّان عهد الرسالة الإسلامية المباركة :
قال عليهالسلام في الخطبة ( الثانية ) من نهج البلاغة :
« ... وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدَهُ وَرَسوله أرْسَلَهُ بالدينِ المَشْهُور والعِلَم الماثور والكِتاب المَسْطُور والنُّور الساطِع ، والضِياء اللامع ، والأمر الصادع إزاحة للشُبهات واحتجاجاً بالبَّيِنات وَتَحْذيراً بالآيات ، وتَخْويفاً بالمُثلات (١) والناسُ في فتن انْجَذَم (٢) فيها حَبْلُ الدِّينِ ، وتزَعْزَعتْ سَواري (٣) اليَقْينِ واْختَلَفَ النَجْرُ (٤) ، وتَشتَّتَ الأمرُ وَضاقَ الَمخْرَجُ ، وعَمِيَ المَصْدَرُ فالهُدى خامِلٌ ، والعَمى شامِلٌ ، عُصِيَ الرَّحْمانُ ونصِرَ الشَيْطانُ وَخُذِلَ الإيْمانُ فَانْهارَت دَعائِمهُ ، وتَنكَّرَتْ مَعالِمُهُ وَدَرَست (٥) سُبُلُه وعَفَت شُركه (٦) أطاعُوا الشَيْطانَ فَسلكُوا مسالِكه ، وورَدُوا مناهِلَه (٧) بِهِمْ سارتْ أعلامُه ، وقامَ لِواؤُهْ في فِتَن داستْهُمْ بأَخْفافِها (٨) ووَطئَتْهُمْ بِأَظْلافِها (٩) وقامَتْ عَلى سَنابِكِها (١٠) فَهُمْ فيها تئهون حائرُونَ جاهِلُونَ مَفْتُونُونَ في خَيْر دار وَشَرِّ جِيْران نُومُهُمْ سُهُودٌ وَكُحْلُهمْ دُمُوعٌ بأَرْض عالِمُهْا مُلْجَمٌ وجاهِلُها مُكرَمٌ.
وقال في الخطبة ( التاسعة والثمانين ) أيضاً :
« أرْسَلَهُ صلىاللهعليهوآلهوسلم عَلى حِين فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ وَطُول هَجْعة من الاُمَم واعْتزام (١١) مِنَ الفِتَن وانْتِشار مِن الاُمور وَتلظٍّ (١٢) مِنَ الحرُوب والدُّنْيا
__________________
١ ـ المثلات : العقوبات. ٢ ـ انجذم : انقطع. ٣ ـ السواري : الدعائم. ٤ ـ النجر : الأصل. ٥ ـ درست : انطمست. ٦ ـ الشُرك : الطُرق. |
٧ ـ المنهل : مورد النهر. ٨ ـ الخف : هو للبعير كالقدم للإنسان. ٩ ـ الظلف : للبقر والشاة كالخفّ للبعير والقدم للإنسان. ١٠ ـ السنابك : طرف الحافر. ١١ ـ اعتزم الفرس : إذا مرّ جامحاً. ١٢ ـ تلظٍّ : تَلَهُّب. |