والثانى أن لا يكون الوقف بنظر الواضع ، بل يطرأ ذلك فى حال الاستعمال
__________________
عن فم الانسان غير موضوعة وضعا ، بل دالة طبعا على معان فى أنفسهم ، كأف وتف ، فان المتكره لشىء يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ أف ، ومن يبزق على شىء مستكره يصدر منه صوت شبيه بتف ، وكذلك آه للمتوجع أو المتعجب ، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا كأح لذى السعال ، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها ، نسقوها نسق كلامهم وحركوها تحريكه وجعلوها لغات مختلفة ... ، وثالثها أصوات يصوت بها للحيوانات عند طلب شىء : إما المجىء كألفاظ الدعاء ، نحو جوت ، وقوس ، ونحوهما ، وإما الذهاب كهلا ، وهج ، وهجا ، ونحوها ، وإما أمر آخر ، كسأ للشرب ، وهدع للتسكين ، وهذه الألفاظ ليست مما يخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال : إنها أوامر أو نواه ، كما ذهب إليه بعضهم ، لأنها لا تصلح لكونها مخاطبة ، لعدم فهمها للكلام ، كما قال الله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) بل كأن أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشىء من هذه الأفعال فيصوت لها : إما بصوت غير مركب من الحروف كالصفير للدابة عند إيرادها الماء وغير ذلك ، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة لا معنى تحته ، ثم يحرضه مقارنا لذلك التصويت على ذلك الأمر : إما بضربه وتأديبه ، وإما بايناسه وإطعامه ، فكان الحيوان يمتثل المراد منه إما رهبة من الضرب أو رغبة فى ذلك البر ، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر إلى أن يكتفى الطالب لذلك الصوت عن الضرب أو البر ؛ لأنه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده فيمتثل عقيب الصوت عادة ودربة ، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف كالأمر والنهى لذلك الحيوان ، وإنما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف ولم يقنعوا بساذج الصوت لأن الصوت من حيث هو هو مشتبه الأفراد ، وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل ، فلما كانت الأفعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها ، فركبوها من الحروف ، وما ذكرنا من الترتيب يتبين من كيفية تعليم الحيوانات كالدب