الكوفيين منع تقدّم الخبر الجائز التأخير [عند البصريين] وفيه نظر (١) ؛ فإن بعضهم نقل الإجماع ـ من البصريين ، والكوفيين ـ على جواز «فى داره زيد» فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح ، هكذا قال بعضهم ، وفيه بحث (٢) ، نعم منع الكوفيون التقديم فى مثل «زيد قائم ، وزيد قام أبوه ،
__________________
(١) فى كلام الشارح فى هذا الموضوع قلق وركاكة لا تكاد تتبين منهما غرضه واضحا فهو أو لا ينقل عن بعضهم أنه ذكر أن الكوفيين لم يجوزوا تقديم الخبر على المبتدأ.
ثم يعترض على هذا النقل بقوله «وفيه نظر» وينقل عن بعض آخر أن الكوفيين يجوزون عبارة ظاهر أمرها أنها من باب تقديم الخبر ، فيكون كلام الناقل الأول على إطلاقه باطلا ، وكان ينبغى ـ على ذلك ـ تخصيصه بما عدا هذه الصورة.
ثم يعترض على النقل الثانى بقوله : «وفيه بحث» ، وظاهر المعنى من ذلك أن هذه العبارة التى ظنها ناقل المثال الثانى من باب تقديم الخبر ليست منه على وجه الجزم والقطع ؛ لأنه يجوز فيها أن يكون «زيد» من قوله «فى داره زيد» فاعلا بالجار والمجرور ، ولو لم يعتمد على نفى أو استفهام ؛ لأن الاعتماد ليس شرطا عند الكوفيين ؛ فيكون تجويز الكوفيين هذه العبارة ليس دليلا على أنهم يجوزون تقديم الخبر فى صورة من الصور ؛ فقد رجع الشارح على أول كلامه بالنقض ، هذا من حيث تعبيره.
فأما من حيث الموضوع فى ذاته ، فقد ذكر أبو البركات بن الأنبارى فى كتابه «الإنصاف ، فى مسائل الخلاف» (ص ٤٦ طبعة ثالثة بتحقيقنا) أن علماء الكوفة برون أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ ، مفردا كان أو جملة ، وعقد فى ذلك مسألة خاصة ، وعلى هذا لا يجوز أن يكون قولك «فى الدار زيد» من باب تقديم الخبر على المبتدأ عندهم.
فإن قلت : فهذا الخبر جار ومجرور ، والذى نقلته عنهم عدم تجويز التقديم إذا كان الخبر مفردا أو جملة.
فالجواب أن الجار والمجرور ـ عند الجمهور ، خلافا لابن السراج الذى جعله قسما برأسه ـ لا بخلو حاله من أن يكون فى تقدير المفرد ، أو فى تقدير الجملة ، وأيضا فقد عللوا عدم تجويز التقديم بأن الخبر اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ ؛ فلو قدمناه لتقدم الضمير على مرجعه ، وذلك لا يجوز عندهم ، وهذه الغلة نفسها موجودة فى الجار والمجرور سواء أقدرت متعلقه اسما مشتقا أم قدرته فعلا :