لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع فى ذكر نواسخ الابتداء ، وهى قسمان : أفعال ، وحروف ؛ فالأفعال : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة ، وظنّ وأخواتها ؛ والحروف : ما وأخواتها ، ولا التى لنفى الجنس ، وإنّ وأخواتها.
فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها ، وكلّها أفعال اتفاقا ، إلا «ليس» ؛ فذهب الجمهور إلى أنها فعل ، وذهب الفارسىّ ـ فى أحد قوليه ـ وأبو بكر بن شقير ـ فى أحد قوليه ـ إلى أنها حرف (١).
__________________
قصد لفظه مجرور محلا بالباء ، والجار والمجرور متعلق بمسبوقا «كأعط» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا ، أعط : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله الأول محذوف ، والتقدير «أعط المحتاج» مثلا «ما» مصدرية ظرفية «دمت» دام : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المخاطب اسم دام «مصيبا» خبر دام «درهما» مفعول ثان لأعط ، وتلخيص البيت : ودام مثل كان ـ فى العمل الذى هو رفع الاسم ونصب الخبر ـ لكن فى حالة معينة ، وهى حالة ما إذا سبقت دام بما المصدرية الظرفية الواقعة فى نحو قولك «أعط المحتاج درهما مادمت مصيبا» أى مدة دوامك مصيبا ، والمراد مادمت تحب أن تكون مصيبا.
(١) أول من ذهب من النحاة إلى أن ليس حرف ، هو ابن السراج وتابعه على ذلك أبو على الفارسى فى «الحلبيات» وأبو بكر بن شقير ، وجماعة.
واستدلوا على ذلك بدليلين :
الدليل الأول ، أن «ليس» أشبه الحرف من وجهين :
الوجه الأول : أنه يدل على معنى يدل عليه الحرف ، وذلك لأنه يدل على النفى الذى يدل عليه «ما» وغيرها من حروف النفى.
الوجه الثانى : أنه جامد لا يتصرف ، كما أن الحرف جامد لا يتصرف.
والدليل الثانى : أنه خالف سنن الأفعال عامة ، وبيان ذلك أن الأفعال بوجه عام مشتقة من المصدر للدلالة على الحدث دائما والزمان بحسب الصيغ المختلفة ، وهذه الكلمة لا تدل على الحدث أصلا ، وما فيها من الدلالة على الزمان مخالف لما فى عامة الأفعال ؛ فإن عامة الأفعال الماضية تدل على الزمان الذى انقضى ، وهذه الكلمة تدل على نفى