وأشار بقوله : «وكلّ سبقه دام حظر» إلى أن كلّ العرب ـ أو كلّ النحاة ـ منع سبق خبر «دام» عليها ، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على «ما» المتصلة بها ، نحو : «لا أصحبك قائما ما دام زيد» فمسلّم ، وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على «دام وحدها ، نحو «لا أصحبك ما قائما دام زيد» ـ وعلى ذلك حمله ولده فى شرحه ـ ففيه نظر ، والذى يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر
__________________
هذا توجيه كلام الشارح العلامة كغيره من النحاة ، ردا على ابن معط. وفيه خلل من جهة أنه ترتب عليه الفصل بين «منغصة» ومتعلقه وهو قوله «بادكار» بأجنبى عنهما وهو «لذاته».
وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن يكون اسم «دام» ضميرا مستترا ، وقوله «منغصة» خبرها ، وقوله «لذاته» نائب فاعل لقوله «منغصة» ؛ لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبنى للمجهول ، وعلى هذا يخلو البيت من الشاهد ؛ فلا يكون ردا على ابن معط ومن يرى رأيه.
ومن الشواهد التى يستدل بها للرد على ابن معط قول الشاعر :
ما دام حافظ سرّى من وثقت به |
|
فهو الّذى لست عنه راغبا أبدا |
فإن قوله «حافظ سرى» خبر دام ، وقوله «من وثقت به» اسمها ، وقد تقدم الخبر على الاسم ، ولا يرد عليه الاعتراض الذى ورد على البيت الشاهد ، ولكنه يحتمل التأويل ، إذ يجوز أن يكون اسم دام ضميرا مستترا يعود إلى «من وثقت به» ويكون خبرها هو «حافظ سرى» ، ويكون قوله «من وثقت به» فاعلا بحافظ ؛ لأنه اسم فاعل.
فإن قلت : فقد عاد الضمير على متأخر.
قلت : هو كذلك ، ولكنه مغتفر ههنا ؛ لأن الكلام على هذا يصير من باب الاشتغال لتقدم عاملين ـ وهما : دام ، وحافظ سرى ـ وتأخر معمول واحد ـ وهو «من وثقت به» ـ فلما أعمل العامل الثانى أضمر فى الأول المرفوع ، وهو جائز عند البصريين كما ستعرفه فى باب الاشتغال ، إن شاء الله.