والصحيح أنها فعل ؛ بدليل اتّصال تاء الفاعل وأخواتها بها ، نحو «عسيت» وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ».
وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة ، وليست كلها للمقاربة ، بل هى على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما دلّ على المقاربة ، وهى : كاد ، وكرب ، وأوشك.
والثانى : ما دلّ على الرّجاء ، وهى : عسى ، وحرى ، واخلولق.
والثالث : ما دلّ على الإنشاء ، وهى : جعل ، وطفق ، وأخذ ، وعلق ، وأنشأ.
فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.
وكلها تدخل على المبتدأ والخبر ؛ فترفع المبتدأ اسما لها ، ويكون خبره خبرا لها فى موضع نصب ، وهذا هو المراد بقوله : «ككان كاد وعسى» لكن الخبر فى
__________________
حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهى جامدة ، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها ؛ فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها؟
وهذا الذى ذكرناه ـ من أن «عسى» على ضربين ، وأنها فى ضرب منهما فعل ، وفى الضرب الآخر حرف ـ هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابنا على شرح الأشمونى ج ١ ص ٤٦٣ وما بعدها فى الكلام على الشاهد رقم ٢٥٢).
ومن هذا كله يتضح لك : أن فى «عسى» ثلاثة أقوال للنحاة ، الأول : أنها فعل فى كل حال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما ، وهو قول نحاة البصرة ورجحه المتأخرون ، والثانى : أنها حرف فى جميع الأحوال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو النصب أم لم يتصل بها أحدهما ، وهو قول جمهرة الكوفيين ومنهم ثعلب ، وابن السراج. والثالث : أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما فى البيت الذى أنشدناه ، وفعل فيما عدا ذلك ، وهو قول سيبويه شيخ النحاة ، ولا تتسع هذه العجالة السريعة إلى الاحتجاج لكل رأى وتخريج الشواهد على كل مذهب.