الشام ودمشق ، ثم حماة ، ثم حلب ، ثم بعلبك ، ثم عاد قافلا ليستقر فى دمشق ؛ حيث تصدر للتدريس والإمامة والتصنيف ، وقد مدّ الله فى عمر ابن مالك بعد استقراره بدمشق ، حتى شهد نهاية دولة الأيوبيين ، سنة : (٦٤٨ ه) وقيام دولة المماليك البحرية على يد شجرة الدر ، وعز الدين أيبك التركمانى ، وشهد سقوط بغداد ، ونهاية الدولة العباسية على يد التتار سنة : (٦٥٦ ه) ، وكما ذكرنا من قبل أنه حضر جانبا كبيرا من سلطنة الظاهر بيبرس (٦٥٨ ه : ٦٧٩ ه) حيث كانت وفاة ابن مالك (٦٧٢ ه).
ثالثا : الحركة العلميّة فى مصر والشّام عند مقدم ابن مالك :
على الرغم مما كان يشغل الشرق من حروب الصليبيين وفتن التتار ، ومنازعات الأيوبيين فيما بينهم ـ كانت حركة العلم والفكر والأدب تسير فى غير توقف أو تعثر ، بل كانت فى الشرق ـ وبخاصة مصر والشام ـ نهضة علمية واسعة النطاق وبخاصة فى علوم اللغة والنحو والقراءات ، إلى جانب علوم الدين من الفقه وأصوله ، وعلم الكلام والحديث والتفسير والتصوف.
ونظرة عامة إلى ما حفل به ذلك العصر (القرن السابع الهجرى) من أسماء الأعلام فى مختلف ضروب العلم والفقه والأدب وغيرها ، من أمثال ابن معط ، وابن الحاجب ، وابن يعيش ، وابن عمرون ، والعلم السخاوى ، والقفطى ، وقاضى القضاة ابن خلّكان ، وابن دحية ، والحافظ المنذرى ، وابن دقيق العيد ، وابن المنيّر ، وغيرهم ـ ترينا إلى أى مدى كانت الحركة العلمية مزدهرة ونشيطة فى مصر والشام فى ذلك العصر ، ولا يفوتنا أن نلاحظ هنا أن هذا الازدهار العلمى فى المشرق كان عاملا من العوامل التى جعلت ابن مالك ينسى مسقط رأسه بالأندلس ، ويتخذ موطنه الثانى والأخير بدمشق الشام.
وأما مواد الدراسة فى الشرق التى كانت عند مقدم ابن مالك فقد وفد ابن مالك على الشرق والنحاة يتدارسون مفصل الزمخشرى ، وكتاب سيبويه ، وإيضاح الفارسى ، وجمل الزجاجى ، إلى جانب مقدمة ابن الحاجب فى النحو المسماة بالكافية ، ومقدمته فى الصرف والخط المسماة بالشافية ؛ وهما مقدمتان نثريتان ، ونظمت الكافية فى نظم معروف بالوافية. كانت هذه هى الكتب الشهيرة التى تدرس فى مجال العلم فى الشرق ، ولا شك أن ابن مالك قد اطلع على هذا كله ، وكان له