ومثال ذلك مع «لكنّ» قول الشاعر :
بكلّ داهية (١) ألقى العداة وقد |
|
يظنّ أنّى فى مكرى بهم فزع |
كلا ولكنّ ما أبديه من فرق (٢) |
|
فكى يغرّوا فيغريهم بى الطّمع (٣) |
ومثله قول الشاعر الآخر :
فو الله ما فارقتكم قاليا (٤) لكم |
|
ولكنّ ما يقضى فسوف يكون (٥) |
وروى عن الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد «إنّ» ، وهذا عجيب ؛ لأن زيادة الفاء على رأيه جائزة ، وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداة شرط ؛ نحو : «زيد فقائم» ؛ فإذا دخلت علياسم يشبه أداة الشرط ، فوجود الفاء فى الخبر أحسن وأسهل من وجودها فى خبر «زيد» وشبهه.
وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد.
وقد ظفرت له فى كتابه «فى معانى القرآن» (٦) بأنه موافق لسيبويه فى بقاء الفاء بعد دخول «إنّ» وذلك أنه قال :
«وأما (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : ١٦]
فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدإ ؛ لأن «الّذى» إذا كان صلته فعلا جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قول الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧] ثم قال : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ)».
__________________
(١) الداهية : يقال : رجل داهية : بصير بالأمور. (الوسيط ـ دهى).
(٢) الفرق ـ بالتحريك ـ : الخوف. (اللسان ـ فرق).
(٣) البيتان من البسيط ، وهما بلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٠٨.
(٤) يقال : قلى فلانا قليا : أبغضه وهجره. ينظر : الوسيط (قلى).
(٥) البيت لذى القرنين أبى المطاع بن حمدان فى تاج العروس (برد) ، ومعجم البلدان (بردى) ، وللأفوه الأودى فى الدرر ٢ / ٤٠ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى أمالى القالى ١ / ٩٩ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٤٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٠٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٥ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٩ ، ومعجم البلدان (الحجاز) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١١٠.
(٦) ينظر : معانى القرآن للأخفش (١ / ٢٥١ ، ٢٥٢).