إذا استعملت فى صورة الجحد أثبتت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود (١) |
ومراد هذا القائل «كاد» ؛ ومن زعم هذا فليس بمصيب.
بل حكم «كاد» حكم سائر الأفعال فى أن معناها منفى إذا صحبها حرف نفى ، وثابت إذا لم يصحبها.
فإذا قال قائل : «كاد زيد يبكى» فمعناه : قارب زيد البكاء ؛ المقاربة ثابتة ، ونفى البكاء منتف.
فإذا قال : «لم يكد يبكى» فمعناه : لم يقارب البكاء ؛ فمقاربة البكاء منتفية ، ونفى البكاء منتف ، انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.
ولهذا كان قول ذى الرمة : [من الطويل]
إذا غيّر النّأى المحبّين لم يكد |
|
رسيس (٢) الهوى من حبّ ميّة يبرح (٣) |
صحيحا بليغا ؛ لأن معناه : إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبى التغير ، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه.
فهذا أبلغ من أن يقول : لم يبرح ؛ لأنه قد يكون غير بارح ، وهو قريب من البراح ، بخلاف المخبر عنه بنفى مقاربة البراح.
وكذا قوله ـ تعالى ـ : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] وهو أبلغ فى نفى الرؤية من أن يقال : (لم يرها).
لأن من لم ير قد يقارب الرؤية ؛ بخلاف من لم ير ولم يقارب.
وأما قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] فكلام يتضمن كلامين مضمون كل واحد منهما فى وقت غير وقت الآخر ؛ والتقدير : فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له. وهذا واضح والله أعلم.
أو قد يكون نفيها إعلاما ببطء الوقوع ، والثبوت حاصل كقوله ـ تعالى ـ : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨] أى : يفقهون ببطء وعسر.
قال الأخفش فى قوله : ـ تعالى ـ (لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠]
__________________
(١) ينظر : الهمع (١ / ١٣٢) ، والدرر (١ / ١١٠) ، والأشمونى (١ / ٢٦٨).
(٢) يقال : رسّ الغرام فى قلبه : ثبت ودخل. الوسيط (رسس).
(٣) البيت فى ديوانه ص ١١٩٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٠٩ ، ٣١٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٤ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٤ ، ولسان العرب (رسس).