قولنا : «أعطى وسألت الله».
ففى «أعطى» ضمير مفسر بما بعده.
فنحو هذا مما أعمل فيه الثانى ، وأضمر فيه مع الأول ضمير مرفوع ـ أجازه البصريون.
ولم يجزه الكوفيون ؛ تجنبا لإضمار قبل ذكر المفسر.
والذى تجنبوه قد استعملت العرب مثله كقول رجل من فصحاء طيئ : [من الطويل]
جفونى ولم أجف الأخلّاء إنّنى |
|
لغير جميل من خليلى مهمل (١) |
وكقوله : [من البسيط]
هويننى وهويت الغانيات (٢) إلى |
|
أن شبت وانصرفت عنهنّ آمالى (٣) |
فتقدمت الواو من «جفونى» والنون من «هويننى» على مفسريهما ؛ فعلم أن ذلك وأمثاله جائز.
وقد حكى ابن كيسان أن الكوفيين وافقوا البصريين فى جواز تقديم الضمير على مفسره المبدل منه نحو : «يقومون الزّيدون» و «رأيتهم العمرين» مع أن البدل تابع ، وتأخير التابع واجب.
فيلزمهم تجويز ما منعوا من نحو : «ضربونى وضربت الزّيدين» فإنه مساو لما أجازوه فى الاشتمال على ضمير مذكور قبل مفسر واجب التأخير.
وإذا ثبت هذا فليعلم أن مثل : «يحسنان ويسىء ابناك» جائز عند البصريين ، ممتنع عند الكوفيين ؛ لما فيه من تقديم فاعل «يحسن» ـ أعنى : الألف ـ على مفسره المؤخر وهو «ابناك».
فلو حذفت الألف صحت المسألة عند الكسائى ، ولم يبال بحذف الفاعل لثبوت الدلالة عليه.
__________________
(١) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٧٧ ، ٥ / ٢٨٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٥ ، وتذكرة النحاة ص ٣٥٩ ، والدرر ١ / ٢١٩ ، ٥ / ٣١٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٩ ، ٢٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٧٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٧ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٦ ، ٢ / ١٠٩.
(٢) الغانية : المرأة الغنية بحسنها عن الزينة. (القاموس ـ غنى).
(٣) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣١.