ومنه قول جرير (١) : [من الوافر]
أعبدا حلّ فى شعبى غريبا |
|
ألؤما لا أبا لك واغترابا (٢) |
أى : أتلؤم وتغترب.
وقد يفعل ذلك من يخاطب نفسه كقول عامر بن الطفيل (٣) ـ لعنه الله ـ : «أغدّة كغدّة البعير ، وموتا فى بيت سلوليّة».
ومثل هذا عنيت بقولى :
وشبه ذاك ...
ومن أسباب التزام حذف ناصب المصدر أن يقصد به تبيين عاقبة أمر تقدمه كقوله ـ تعالى ـ : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤].
ومن أسباب ذلك ـ أيضا ـ أن يخبر عن اسم عين بفعل جعل مصدره بدلا من اللفظ به مكررا نحو : «أنت سيرا سيرا». أو إذا حصر بـ (إنما» أو بـ «إلّا» نحو : «إنّما أنا صبرا» ، و «ما الملهوف إلّا حزنا».
والأصل : أنت تسير ، وإنما أصبر ، وما الملهوف إلا يحزن.
فحذف الفعل حذفا لازما ؛ لأجل التكرار والحصر.
وجعل الثانى فى التكرار بدلا منه فامتنع الإظهار ؛ لئلا يجمع بين المبدل منه والبدل.
__________________
(١) هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر الكلبى الشاعر ، أشعر أهل عصره ، عاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ، ويساجلهم ، وكان هجّاءا مرّا ، وكان عفيفا ، وهو من أغزل الناس شعرا ، له نقائض مع الفرزدق ، وله ديوان شعر. مات سنة ١٦٠ ه.
ينظر : الأعلام (٢ / ١١٩) ، الشعر والشعراء (١٧٩) ، وفيات الأعيان (١ / ١٠٢).
(٢) البيت فى ديوانه ص ٦٥٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٢١ ، والأغانى ٨ / ٢١ ، وجمهرة اللغة ص ١١٨١ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٩٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، ٢ / ١٧١ ، ٢٨٩ ، والكتاب ١ / ٣٣٩ ، ٣٤٤ ، ولسان العرب (شعب) ، ومعجم ما استعجم ص ٧٩٩ ، ٨٦١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩ ، ٤ / ٥٠٦ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٢٢١ ، ورصف المبانى ص ٥٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢١٢.
(٣) هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامرى ، فارس قومه ، وأحد فتاك العرب وشعرائهم وساداتهم فى الجاهلية ، أدرك الإسلام شيخا فوفد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو فى المدينة ، بعد فتح مكة ، يريد الغدر به ، فدعاه إلى الإسلام ، فاشترط أن يكون وليّا للأمر من بعده ، فرده ، ولم يسلم ، وهو ابن عم لبيد الشاعر ، توفى سنة ١١ ه.
ينظر : الأعلام (٣ / ٢٥٢) ، الشعر والشعراء (١١٨) ، خزانة الأدب (١ / ٤٧١).