(ش) المراد بالتمام هنا استيفاء العامل مطلوبه الذى المستثنى بعضه ، سواء كان عمدة نحو : «قاموا إلّا زيدا».
أو فضلة نحو : «رأيتهم إلّا عمرا».
فالمستثنى فى هذين المثالين مذكور بعد التمام ، أى : بعد أخذ العامل مطلوبه الذى المستثنى بعضه ؛ لأن «زيدا» بعض مدلول الواو من «قاموا» ، و «عمرا» بعض مدلول الهاء والميم من «رأيتهم».
فلو لم يأخذ العامل مطلوبه الذى المستثنى بعضه نحو : «ما قام إلّا زيد» ، و «ما رأيت إلّا عمرا» ، سمى تفريغا ، وأعطى ما بعد «إلّا» العمل الذى يطلبه العامل قبلها ، رفعا كان نحو : «ما اجتهد إلّا رجال مولعون بالرّشد» ، أو غير رفع نحو : «ما رأيت إلّا زيدا» و «ما مررت إلّا بزيد».
ولا يتأتى التفريغ إلا مع نفى ، أو شبهه :
فالنفى ظاهر ، وشبهه نحو : «لا يقم إلّا زيد» و «هل يقوم إلا هو؟!». وقد اجتمع النفى ، والنهى ، والاستفهام المشبه للنفى فى قولى :
(لا تزر إلّا فتى لا يتّبع |
|
إلّا الهدى ، وهل زكا إلّا الورع) |
ومما يتناوله شبه النفى قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥] لأن المعنى : وإنها لا تخف ، ولا تسهل إلا على الخاشعين ، وكذا قوله ـ تعالى ـ : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١١٢] لأن المعنى : لا يعتزون ، ولا يأمنون إلا بعهد ، وكذا قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) [الأنفال : ١٦] لأن المعنى : لا يول أحد دبره إلا متحرفا لقتال.
ولو اعتبر معنى النفى مع التمام لجاز فى المستثنى الإبدال ؛ وعلى ذلك تحمل قراءة من قرأ : فشربوا منه إلا قليل منهم [البقرة : ٢٤٩] لأن فى تقديم (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩] ـ ما يقتضى تأول (فَشَرِبُوا مِنْهُ) [البقرة : ٢٤٩] بـ «فلم يكونوا منه» ، وعلى مثل ذا يحمل قول الشاعر : [من البسيط]
وبالصّريمة منهم منزل خلق |
|
عاف تغيّر إلّا النّؤى والوتد (١) |
__________________
(١) البيت للأخطل فى ديوانه ص ١١٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٨٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٥٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٢٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٦.