الأصل فاعل وقد أوهن بزوال رفعه ، وإلحاقه لفظا بالفضلات ؛ فلا يزاد وهنا بتقديمه على الفعل (١).
ومذهب المازنى (٢) ، والمبرد (٣) ، والكسائى جواز تقديمه ؛ لأن الفعل عامل قوى بالتصرف ؛ فمنع تقديم معموله ، وليس فاعلا فى اللفظ لا موجب له.
ولو كانت الفاعلية الأصلية موجبة للتأخير مانعة من التقدم لعمل بمقتضى ذلك فى نحو : «أذهبت زيدا».
فكان لا يجوز أن يقال : «زيدا أذهبت» ؛ لأن أصله : ذهب زيد ؛ ولا خلاف فى
__________________
وتفقّأت من الشّحم ، فحذف هذا استخفافا.
ينظر الكتاب (١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥).
(١) قال ابن جنى : ومما يقبح تقديمه الاسم المميز ، وإن كان ناصبه فعلا متصرّفا ، فلا نجيز شحما تفقأت ، ولا عرقا تصبّبت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل :
أتهجر ليلى للفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق يطيب |
فنقابله برواية الزّجاجىّ وإسماعيل بن نصر وأبى إسحاق أيضا :
وما كان نفسى بالفراق تطيب
فرواية برواية ، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل فى المعنى.
ينظر : الخصائص (٣ / ٣٨٦).
(٢) المازنى هو : بكر بن محمد بن بقية ، أبو عثمان المازنى ، بصرى روى عن أبى عبيدة والأصمعى وأبى زيد ، وروى عنه المبرد والفضل بن محمد اليزيدى وجماعة ، وكان إماما فى العربية ، متسعا فى الرواية وناظر الأخفش فى أشياء كثيرة فقطعه.
قال المبرد : لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبى عثمان ، وأخذ عن الأخفش.
من تصانيفه : كتاب فى القرآن ، علل النحو ، تفاسير كتاب سيبويه ، ما تلحن فيه العامة ، التصريف ، القوافى ، وغيرها. مات سنة ٢٤٩ ه على خلاف.
ينظر : بغية الوعاة (١ / ٤٦٣ ـ ٤٦٦) ، معجم الأدباء (٧ / ١٠٧).
(٣) قال المبرد : واعلم أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه : لتصرّف الفعل. فقلت :
تفقّأت شحما. وتصبّبت عرقا. فإن شئت قدّمت ؛ فقلت : شحما تفقّأت. وعرقا تصبّبت وهذا لا يجيزه سيبويه ؛ لأنّه يراه كقولك : عشرون درهما. وهذا أفرههم عبدا ، وليس هذا بمنزلة ذلك ؛ لأنّ (عشرين درهما) إنّما عمل فى الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل.
ألا ترى أنّه يقول : هذا زيد قائما ، ولا يجيز : قائما هذا زيد ؛ لأنّ العامل غير فعل.
وتقول : راكبا جاء زيد ؛ لأنّ العامل فعل ؛ فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وهذا رأى أبى عثمان المازنى.
وقال الشاعر ، فقدّم التمييز لمّا كان العامل فعلا :
أتهجر ليلى للفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب |
ينظر : المقتضب (٣ / ٣٦ ، ٣٧).