شهدها تاريخ النحو العربى ، وكانت هذه هى الخطوة الأخيرة ، والتى استقر بعدها النحو فى صورته الثابتة إلى اليوم ، فلا زلنا نعيش على هذا التراث الضخم الذى خلفه لنا ابن مالك ، وهو فى الحق ميراث يشهد بسعة الأفق وكثرة الاطلاع ؛ ينبيك عن ذلك كثرة المصنفات سواء كانت فى النحو أو الصرف أو اللغة أو القراءات ، وفى الواقع فإن أهمية ابن مالك لا ترجع إلى هذه الكثرة الوافرة من إنتاجه وتصنيفاته ـ بل ترجع ـ أيضا ـ إلى ذلك المذهب النحوى البالغ الأثر فى نحو العربية ، الذى أقام دعائمه ، ورفع قواعده ، وأتم بنيانه.
ومما هو جدير بالذكر أن من حسن حظ النحو العربى أن ابن مالك قد ظهر بعد أن نضجت دراساته ، واكتملت مذاهبه ، بل وتحددت أيضا اتجاهات مدارسه.
وقد هيأ ذلك لابن مالك أن يكون على صلة بكل هذا التراث الضخم بمدارسه ، واتجاهاته ، ومذاهبه.
وقد أمد الله ـ عزوجل ـ ابن مالك بما تفوق به على عدد غير قليل ممن سبقه من النحاة ، وهيأ له ـ سبحانه ـ من الأسباب ما أتاح له أن يصل إلى هذا الذى لم يستطعه الأوائل ؛ كما يقول أبو العلاء المعرى : [من الطويل]
وإنى وإن كنت الأخير زمانه |
|
لآت بما لم تستطعه الأوائل |
وهو هذا المذهب النحوى الذى شغل به النحاة من بعده ، والذى لا يزال حتى الآن أساسا لأكثر الدراسات والبحوث النحوية المعاصرة.
ويقوم هذا المذهب فى جوهره على أساس المزج والاختيار من المذاهب السابقة كلها : بصرية أو بغدادية أو أندلسية ؛ هذا مع ميل واضح إلى الحياد ، وتوخّ حاد للسهولة والتيسير ، وجنوح شديد إلى الاجتهاد والتجديد.
وهذه الدراسة التى تدور حول ابن مالك النحوى : حياته ، ومصنفاته ، ومذهبه النحوى ـ ستدور إن شاء الله حول ثلاثة أبواب ؛ وهى كالتالى :
الباب الأوّل :
ويدور حول ابن مالك ، وحياته فى الأندلس والمشرق ، ونتناول فى ذلك :
١ ـ نسبه.
٢ ـ مولده ومسقط رأسه.
٣ ـ أسرته بالأندلس.