وهو الصحيح.
لا قول ابن كيسان والسيرافى ؛ فإنهما جعلا إضافة كل بعض بمعنى «من» ولم يفرقا بين ما يطلق على الأول اسم الثانى ، وما ليس كذلك.
فالمضاف الذى فيه معنى «من» كل مضاف هو بعض ما أضيف إليه أو كبعض ما أضيف إليه.
فالأول : كـ «جزء الشّىء ، وربعه ، وثلثه ، وجلّه ودقّه ، وظهره وبطنه ، وأعلاه وأسفله ، وأحد القوم ، وصغيرهم ، وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وأسودهم وأحمرهم».
والثانى : «خاتم فضّة» و «خمس ذود» و «مدّ برّ» و «ثوب خزّ».
صرح ابن كيسان بأن ذلك كله بمعنى «من» ولم يذكر خلافا فى ذلك. ولا فى كلام المتقدمين خلاف لذلك.
وكلام السيرافى موافق لكلام ابن كيسان ؛ فإنه قال فى شرح باب الجر من كتاب سيبويه : «والإضافة تكون على معنى أحد حرفين وهما : «من» و «اللام» ؛ فـ «من» إذا كانت الإضافة على معناها بتبعيض».
ثم قال : ـ بعد كلام ـ «وربما أوهمتك الإضافة الخروج عن هذين الوجهين فإذا تدبرتها رأيتها لازمة لأحد الحرفين ؛ كقولك : «أفضلهم زيد» أى : الفاضل منهم ، و «بعض القوم» أى : شىء منهم».
وأغفل أكثر النحويين الإضافة بمعنى «فى» ؛ وهى ثابتة فى الكلام الفصيح ؛ فمن شواهدها : قوله ـ تعالى ـ : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] و (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) [البقرة : ٢٠٤] و (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) [البقرة : ١٩٦] و (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [يوسف : ٣٩] و (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].
__________________
ـ يكتسى مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره ، فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة.
أما الإضافة التى بمعنى «من» فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك : ثوب خز وباب حديد ، تريد ثوبا من خز وبابا من حديد ، فأضفت كل واحد منهما إلى جنسه الذى هو منه ، وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير «من» وبين إضافته «بمن» وإنما حذفوا «من» هنا استخفافا ، فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثانى خبرا عن الأول ، ولا صفة له.
ينظر : الأصول فى النحو (١ / ٥٣ ـ ٥٤).