أى «قبل» مثل «غير» فى أنه ذو إبهام يشابه به الحرف ، وذو إضافة تعارض الشبه.
وأنه إذا قطع عن الإضافة ، ونويت على الوجه المذكور زال المعارض اللفظى فبنى.
وحين بنى : بنى على حركة ليكون له مزية على مبنى يلازمه البناء كـ «من» و «كم».
وكانت الحركة ضمة ؛ لأنها حركة لا يعرب بها «قبل» حين يعرب ؛ إذ لا يكون إلا منصوبا ، أو مجرورا.
والكلام على «بعد» وما بعده كالكلام على «قبل» و «غير» وقولنا :
وأعربوا نصبا إذا ما نكّرا |
|
«قبلا» وما من بعده قد ذكرا |
مثال ذلك قراءة بعض القراء (١) : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤].
وقول الشاعر : [من الوافر]
فساغ لى الشّراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢) |
__________________
(١) وهم : أبو السمال والجحدرى والفضيل.
والعامة على بنائهما ضمّا لقطعهما على الإضافة وإرادتهما أي من قبل الغلب ومن قبل كل أمر ومن بعده ، وإنما بني على الضم لما قطعت عن الإضافة لأن غير الضمة من الفتح والكسرة تشبيه بما يدخل اليهما وهو النصب والجر ، أما النصب ففي قولك : «جئت قبله أو بعده». وأما الجر ففي قولك : «من قبله ومن بعده» فبني عليه لعدم دخول مثلها عليه في الإعراب وهو الرفع ، وحكى الفراء كسرها من غير تنوين. وغلطه النحاس وقال : إنما يجوز من قبل ومن بعد يعني مكسورا منونا ، قال شهاب الدين : وقد قرئ بذلك ووجهه أنه لم ينو إضافتهما فأعربهما كقوله :
فساغ لي الشّراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء القراح |
وقوله :
ونحن قتلنا الأسد أسد خفيّة |
|
فما شربوا بعدا على لذّة خمرا |
وحكى من قبل بالتنوين والجر ومن بعد بالبناء على الضم.
وقد خرج بعضهم ما حكاه الفراء على أنه قدر أن المضاف إليه موجود فترك الأول بحاله وأنشد :
... |
|
بين ذراعي وجبهة الأسد |
والفرق لائح ، فإن في اللفظ مثل المحذوف على خلاف في تقدير البيت أيضا.
(٢) البيت ليزيد بن الصعق فى خزانة الأدب ١ / ٤٢٦ ، ٤٢٩ ، ولعبد الله بن يعرب فى الدرر ٣ / ١١٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٣٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ١٥٦ ، وتذكرة ـ