وكثير من أصحابنا يجيز ذلك ، منهم الجرمى (١) ، وكثير منهم يأباه منهم الأخفش والمبرد» (٢).
وقال الزمخشرى بعد أن حكم بمنع الفصل (٣) : «وقد أجاز الجرمى وغيره من أصحابنا الفصل وينصرهم قول القائل : «ما أحسن بالرّجل أن يصدق».
ومن العجب اعترافه بنصرهم ، والتنبيه على بعض حججهم بعد أن خالفهم بلا دليل.
ولما كان فعل التعجب مسلوب الدلالة على المضى ، وكان المتعجب منه صالحا للمضى أجازوا زيادة «كان» إشعارا بذلك عند قصده نحو : «ما كان أحسن زيدا» ، وكقول الشاعر فى مدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من الكامل]
ما كان أسعد من أجابك آخذا |
|
بهداك مجتنبا هوى وعنادا (٤) |
وأما وقوع «ما كان» بعد «أفعل» نحو : «ما أحسن ما كان زيد» فكثير ، و «ما» ـ فيه ـ مصدرية ، و «كان» تامة رافعة ما بعدها بالفاعلية ، وفى ذلك ـ أيضا ـ دلالة على مضى المتعجب منه ، فلو قصد استقباله لجىء بـ «يكون».
__________________
(١) هو صالح بن إسحاق ، أبو عمر الجرمى البصرى كان فقيها عالما بالنحو واللغة ، دينا ورعا حسن المذهب ، صحيح الاعتقاد ، أخذ النحو عن الأخفش ويونس واللغة عن الأصمعى وأبى عبيدة ، وحدث عن المبرد من تصانيفه : التنبيه ، السير ، الأبنية ، العروض ، مختصر فى النحو ، غريب سيبويه ، مات سنة ٢٢٥ ه.
ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٨ ـ ٩) ، تاريخ بغداد (٩ / ٣١٣).
(٢) قال المبرد : ولو قلت : ما أحسن عندك زيدا ، وما أجمل اليوم عبد الله ـ لم يجز ؛ وكذلك لو قلت : ما أحسن اليوم وجه زيد ، وما أحسن أمس ثوب زيد ؛ لأن هذا الفعل لما لم يتصرف لزم طريقة واحدة ، وصار حكمه كحكم الأسماء. ينظر : المقتضب (٤ / ١٧٨).
وقال ابن السراج : ولا يجوز أن نقول : ما أحسن فى الدار زيدا ، وما أقبح عندك زيدا ؛ لأن فعل التعجب لا يتصرف. ينظر : الأصول فى النحو (١ / ١٠٨).
(٣) قال الزمخشرى : ولا يتصرف فى الجملة التعجبية بتقديم ولا تأخير ولا فصل فلا يقال :
... ما أحسن فى الدار زيدا ولا أكرم اليوم بزيد ، وقد أجاز الجرمى الفصل وغيره من أصحابنا ، وينصرهم قول القائل : ما أحسن بالرجل أن يصدق. ينظر : شرح المفصل (٧ / ١٤٩).
(٤) البيت لعبد الله بن رواحة فى المقاصد النحوية ٣ / ٦٦٣ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٦٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١١ ، ٧٥٢.