وكقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] ، ففصل بالفعل ومفعوله الثانى بين الصفة والموصوف ؛ لإضافة المفعول الأول إليه ، فلم يعد الفاصل أجنبيا.
ومن الفصل بما ليس أجنبيا محضا الفصل بـ (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] بين الأيدى والأرجل ؛ لأن المجموع عمل واحد قصد الإعلام بترتيبه فحسن.
وكان ذلك أسهل من الجملة المعترض بها بين شيئين امتزاجهما أشد من امتزاج المعطوف والمعطوف عليه ؛ كالموصول والصلة ، والموصوف والصفة.
فلو جيء بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة لا يكون مضمونها جزء ما توسطت فيه ، ولا هى حالية ، ولا اعتراضية ، تمحضت أجنبيتها ، ولم يجز الفصل بها.
ثم نبهت على ما لا يجوز الفصل (١) بينه وبين متبوعه :
فمن ذلك : توكيد التوكيد كـ «أكتعين» و «أبصعين»
ومنه : نعت المبهم كقولى :
... |
|
... سل ذا الرّجلا |
ومنه الصفة اللازمة كـ «خلف الأحمر» (٢) و «الشّعرى (٣) العبور».
ومنه المعطوف المتمم ما لا يستغنى عنه من الصفات كقولك : «إنّ امرأ ينصح ولا يقبل خاسر» ، فلو جعل «خاسر» بين «ينصح» و «لا يقبل» لم يجز ؛ لأنهما جزءا صفة ، ولا يستغنى عنهما ، ولا يغنى أولهما عن ثانيهما.
فلو جاز الاكتفاء بأولهما لم يمتنع الفصل كقول الشاعر : [من الكامل]
إنّ امرأ أمن الحوادث جاهل |
|
ورجا الخلود كضارب بقداح (٤) |
وأصل الكلام : إن امرأ أمن الحوادث ورجا الخلود ففصل ؛ لأن «أمن الحوادث» صالح للاكتفاء به ؛ بخلاف «ينصح» من المثال المتقدم ذكره.
__________________
(١) فى أ: ما لا يجوز أن يفصل.
(٢) هو خلف بن حيان ، أبو محرز ، المعروف بالأحمر ، راوية ، عالم بالأدب ، شاعر من أهل البصرة. كان معلم الأصمعى ومعلم أهل البصرة ، قال الأخفش : لم أدرك أحدا أعلم بالشعر من خلف والأصمعى. وكان يضع الشعر ، وينسبه إلى العرب. له ديوان شعر ، وكتاب «جبال العرب وما قيل فيها من الشعر» ، مقدمة فى النحو. مات نحو سنة (١٨٠ ه).
ينظر : الأعلام (٢ / ٣١٠) ، بغية الوعاة (١ / ٥٥٤).
(٣) الشّعرى : كوكب. (المقاييس ـ شعر).
(٤) البيت للسموأل بن عادياء فى الديوان ص ٨٦.