وقد يذكر ما قبلها دون تردد يحوج إلى «أو» ، ثم يحدث ما يحوج إليها فتذكر ، وتعرض مشاركة ما قبلها بما بعدها فيما يقتضيه.
وإنما يتبع لفظا دون معنى «بل» و «لا» و «لكن» ، وكذلك «ليس» على مذهب الكوفيين.
فأما الواو فإنها تعطف ما بعدها على ما قبلها جامعة بينهما فى الحكم دون تعرض لتقدم أو تأخر أو مصاحبة ؛ فلذلك يصح أن يقال : «جاء زيد ، وعمرو بعده ، وخالد قبله ، وبشر معه».
ولو دلت على الترتيب لم يجز أن يقال : «قبله» ، ولا «معه» كما لا يقالان مع العطف بالفاء أو «ثمّ».
ولو دلت على الترتيب ، لامتنع أن يقال : «اصطلح زيد وعمرو» كما امتنع أن يقال ذلك مع الفاء و «ثمّ».
وإلى نحو هذا أشرت بقولى :
واخصص بها عطف الّذى لا يغنى |
|
متبوعه ... |
وكذا خصت بعطف سببى على أجنبى رفع بصفة أو شبهها نحو :
... «أتى امرؤ حذر |
|
بنوك وابنه» ... |
وخصت الواو بهذا ؛ لأن المعطوف بها لا يمتنع جعله معطوفا عليه ؛ بخلاف المعطوف بغيرها.
ومن عطف السابق على اللاحق بالواو قوله ـ تعالى ـ : (وَعِيسى وَأَيُّوبَ) [النساء : ١٦٣] ، وقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) [المؤمنون : ٣٧] ، ومنه قول الشاعر : [من الكامل]
أغلى السّباء (١) بكلّ أدكن (٢) عاتق |
|
أو جونة (٣) قدحت وفضّ ختامها (٤) |
__________________
(١) سبأ الخمر : شراها. ينظر : القاموس : (سبأ).
(٢) أدكن : لون يميل إلى السواد. ينظر : القاموس (دكن).
(٣) الجونة : الشمس. ينظر القاموس (جون).
(٤) البيت للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ٣١٤ ، وأسرار العربية ص ٣٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٠٥ ، ١١ / ٣ ، وسر صناعة الإعراب ٦٣٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٩٢ ، ولسان العرب (قدح) ، (عتق) ، (دكن) ، والمعانى الكبير ١ / ٤٥٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٢٥ ، وأساس البلاغة (سبأ) ، وكتاب العين ٧ / ٣١٥ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٠٢ ، ورصف المبانى ص ٤١١.