وقوله ـ عليهالسلام ـ لعائشة : «إيّاك أن تكونيها يا حميراء» (١).
وكقول بعض فصحاء العرب : «عليه رجلا ليسنى».
وقد حكموا ـ أيضا ـ لثانى مفعولى ؛ نحو : «ظننتكه» بترجيح الانفصال.
وعندى : أن اتصاله أولى ؛ لأنه ثانى منصوبين بفعل فكان كالثانى فى قوله ـ تعالى ـ : (رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨]
والذى دعاهم إلى ترجيح الانفصال مع «كان» و «ظننت» كون الضمير فى الصورتين خبرا لمبتدأ فى الأصل ، ولو بقى على ما كان عليه لتعين انفصاله ، فأبقى عليه بعد انتساخ الابتداء ترجيح ما كان متعينا قبل دخول الناسخ.
وهذا الاعتبار يستلزم جواز الانفصال فى الأول ؛ لأنه كان مبتدأ ، وذلك ممتنع بإجماع ، وما أفضى إلى ممتنع ممتنع.
وقد يرجح انفصال ثانى مفعولى «ظنّ» بأنه مع كونه خبر مبتدأ فى الأصل : منصوب بجائز التعليق والإلغاء.
ومع التعليق والإلغاء لا يكون إلا منفصلا ؛ فكان انفصاله مع الإعمال أولى.
وهذا الاعتبار ـ أيضا ـ يستلزم ترجيح انفصال المفعول الأول ، وهو ممتنع بإجماع ؛ وما استلزم ممتنعا فهو حقيق بأن يمتنع.
وأما انفصال ما باشره الفعل أو ولى ضميرا مرتفعا بفعل ليس من باب «كان» ـ فلا يجوز انفصاله إلا فى ضرورة ؛ كقول الشاعر : [من البسيط]
بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت |
|
إيّاهم الأرض فى دهر الدّهارير (٢) |
__________________
(١) نقل العجلونى فى كشف الخفاء (١ / ٤٥٠) عن ابن الغرس قال : «رأيت فى الأجوبة على الأسئلة الطرابلسية لابن قيم الجوزية أن كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق».
(٢) البيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢١٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، والدرر ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٤ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٢٧٤ ، ولأميّة بن أبى الصلت فى الخصائص ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ١٩٥ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، ولأميّة أو للفرزدق فى تخليص الشواهد ص ٨٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٩٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦ ، ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٢.