قالوا : صدقت ، قد كنّا كما ذكرت ... وفعلنا ما وصفت ، ولكن ذلك كان منّا خلاف القرآن ، فقد تبنا إلى الله عزّوجلّ منه ، فتب كما تبنا ، نبايعك ، وإلاّ فنحن مخالفين. فقال علي : ادخلوا فلنمكث ستة أشهر حتى يجيء المال ، ويسمن الكراع ، ثمّ نخرج إلى عدوّنا ولسنا نأخذ بقولهم وقد كذبوا ... (١).
فهذا الكلام سواء اُلقي في الحروراء أو في ضفة النهر يعرب عن أنّ الأكثرية السّاحقة من الخارجين عن طاعة علي ـ لولا كلّهم ـ كانوا هم الذين فرضوا التحكيم على عليّ عليهالسلام وألجأوه إلى الرضوخ لمكيدتهم ، فماذا يطلبون من عليّ بعد ذلك؟
٣ ـ إنّ ابن أبي سفيان قام لأجل أخذ الثأر من قتلة عثمان ولم يبايع عليّاً بحجّة أنّه كان يحمي الخارجين على عثمان ، والثائرين عليه ، وكان الإمام يصّر عليه أن يدخل أوّلا فيما دخل فيه المسلمون ، ثم يعرض المسألة عليه (٢) وبما أنّ معاوية اتّخذ جانباً سلبيّاً في هذا الموضع ، قام الإمام بتأديب الباغي ، وارجاعه إلى صفوف المسلمين وانتهى الأمر إلى نشوب الحرب بين الطرفين ، ولجوء معاوية إلى الخدعة والمكر ، وتحكيم الرجلين في الموضوع الذي اختلف فيه الفريقان ، فلم تكن الغاية من اتفاقية الصلح إلاّ تحكيم الكتاب في الموضوع الذي تنازع فيه الطرفان ، وأمّا عزل الإمام عن الخلافة ونصب معاوية مكانه فلم يكن في صلاحية الحكمين وإنّما دخلا في موضوع لم يُفَوَّض إليهما أمره. فرأيهما فيها بالعزل والنصب رأي ساقط.
٤ ـ إنّ الإمام لمّا رأى لجاج العدو وعناده في صياغة اتفاقية الصلح حيث لم يرض به إلاّ بمحو لقب إمرة المؤمنين عن جنب اسمه ، رضى بذلك اقتداءً
__________________
١ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : ١١٠ ـ ١١١.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، قسم الرسائل برقم ٦٤.