بالنبيّ الأكرم في صلح الحديبية حيث رضى أن يكتب اسمه ويمحى لفظ رسول الله ، ولم يسمع لقول الأحنف حيث قال : « لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك فإنّي أتخوّف إن محوتها ألاّ ترجع إليك أبداً لاتمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً ، فأبى مليّاً من النهار أن يمحوها » (١) ولكنّه عليهالسلام لم يَرَ بدّاً من القبول ورضى بالمحو تحت ضعظ الأشعث والمنخدعين من جيشه ، والمقنّعين في الحديد.
وبذلك تقف على قيمة قوله : « وإذ خطر لعلي أن يستجيب لدعاة الهزيمة في جيشه ، والماكرين من عدوّه أن يشكّ في نفسه ، والحق الذي بيده ، ويتنازل عن الشرف الذي أولاه المسلمون ، ليساوى بينه وبين أحد عمّاله في قضيّة أخذ فيها عهداً من الاُمّة ، وأخذت منه فيها موثقاً وعهداً ورضخ إلى تحكيم رجال فيما نزل فيه حكم الله ».
إن فرض التحكيم على علي وقبوله ومحو لقبه ، تحت ضغط قسم كبير من جيشه ، لايعني شكّه في نفسه والحق الذي بيده ، والتنازل الاختياري عن الشرف الذي أولاه المسلمون ، بل يعني فسح المجال للتفكّر والتدبر فيما كان يدّعيه معاوية على الإمام من تقدّم أخذ الثأر على البيعة ، حتى يقضيا الحكمان فيه برأي بات ، ولو دلّ محو اللقب على الشك في الإمرة ، فهل يظنّ الكاتب أنّ رسول الله شكّ في رسالته عندما رضى بمحو لقبه عن جنب اسمه؟ نعم توّهم ذلك بعض أصحابه وتصوّر أنّ ذلك يساوي اعطاء الدنية في أمر الدين (٢) ولكن رسول الله استقبل الحادث بصدر رحب ، وقبل الصلح على النحو الذي كان المشركون يطلوبونه ، وقد أثبت مرور الزمان صواب رأيه في الصلح ، وأنّه كان
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين : ٥٨٢.
٢ ـ لاحظ السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٣٣١.