لصالح المسلمين كما هو المحقّق في السيرة النبوية.
والحاصل : لم يكن قبول التحكيم والموافقة على الهدنة لغاية عزل الإمام نفسه عن الخلافة وإدلاء الأمر إلى الحكمين حتى يُخْتار للاُمّة الإسلامية خليفة بل كانت الغاية من قبوله هو فسح المجال للحكمين حتّى يقضوا في ضوء الكتاب والسنّة في حقّ الباغي الوارد في الكتاب العزير (١) وفيما يدّعيه ابن أبي سفيان في حقّ علي ، حيث كان يقول لايبايع الاّ بعد أخذ الثأر من قتلة عثمان كما صرّح به في بعض رسائله إلى الإمام ، يقول الإمام :
« وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ، ثمّ حاكم القوم إليّ أحملك وإيّاهم على كتاب الله ، وأمّا تلك التي تريد فإنّها خدعة الصبي عن اللبن في أوّل الفصال ».
وقد جاء في رسالة معاوية إلى الإمام قوله : « وادفع إليّ قتلة عثمان ، فإنّهم خاصّتك وخلصاؤك والمحدقون بك » (٢).
فإنّ ابن أبي سفيان كان يطلب في الظاهر قتلة عثمان ، ولكنّه في الباطن كان يمهدّ الطريق إلى الخلافة ، وربّما كان قانعاً لأن يقرّه الإمام على الشام (٣).
وبذلك ظهر بطلان قوله : « إنّ بيعة الإمام قد انفسخت بموافقته على الهدنة ، ورضاؤه بالتحكيم جبراً ، فلم يبق لأحد في عنقه بيعته » فإنّه تفسير لموقف الإمام بما يتجاوب هوى الكاتب ، فإنّ الإمام لم يخلع نفسه عن الخلافة أبداً ولا تردّد في كونه الخليفة الشرعي والقانوني للاُمّة ، ولو صحّ ما ذكره الكاتب وأنّ الإمام خلع نفسه عن الخلافة بمرأى ومسمع من جيشه وجيش عدوّه ، لما
__________________
١ ـ الحجرات : ٩.
٢ ـ ابن أبي الحديد ، شرح النهج ١٧ / ٢٥٣.
٣ ـ المصدر نفسه ، ومرّ تفصيله.