قام أبو موسى بخلعه عن الخلافة ، إذ لامعنى لخلع المخلوع لاسيمّا من خلع نفسه واعترف به.
ولو كان قبول التحكيم ملازماً للخلع عن الإمامة فلماذا كتب الإمام ـ عندما وصل إليه نبأ الحكمين وخيانتهما في مورد الوكالة ـ إلى زعماء الخوارج : زيد بن حصين وعبد الله بن وهب الراسبي ومن معهما من الناس وقال : أمّا بعد فإنّ هذين الرجلين الذين ارتضينا حكمهما ، قد خالفا كتاب الله واتّبعا هواهما بغير هدى من الله ، فلم يعملا بالسنّة ولم يُنفَّذا للقرآن حكماً ، فبرأ الله ورسوله منهما والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوا فإنّا صائرون إلى عدوّنا وعدوّكم ، ونحن على الأمر الّذي كنّا عليه (١).
الحقّ إنّ من قرأ تاريخ مأساة التحكيم يقف على مدى الضغط الوارد عليه من جانب أصدقائه الحمقاء ، ثم يرجع ويترحّم على الإمام ويبكي عليه ببكاء عال ويقول : « رحم الله الإمام عاش بين عدوّ غادر ، وصديق انوك ».
٥ ـ والعجب العجاب أن يصبح عبدالله بن وهب الراسبي الخليفة الشرعي والقانوني للمسلمين فيجب على الاُمّة في جميع الأقطار والأصقاع ، إطاعة أمره ، بحجة أن نفراً من الخوارج اجتمعوا في منزله فبايعوه ، ولعلّ عدد المبايعين لا يتجاوز عن عدد الأصابع أو يزيد بقليل (٢).
إنّ البيعة الشرعيّة وانعقاد الإمامة لواحد من المسلمين رهن شروط وصلاحيات ، ذكرها المعنّيون من علماء علم الكلام في كتبهم ، ولم يذكر أحد أنّه إذا بايع عدّة من المسلمين شخصاً في صقع من الأصقاع يجب على عامّتهم الاعتراف بإمامته وخلافته.
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٥٧.
٢ ـ نفس المصدر.