عن ذلك تنظيره بغيره من المائعات ـ أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الورودين إذا انفصل الماء عن النجس بسرعة ، وكذا عدم الفرق بين الماء الجاري على النجس أو المتنجس القابل للتطهير ، فيجب أن لا يتنجّس الماء القليل إذا اجتمع مع النجاسات العينية بمقدار ما يجتمع مع المتنجّس كالثوب والبدن والأواني عند تطهيرها ، مع أنّ الخصم لا يلتزم به.
مضافا إلى استلزامه الالتزام بالنجاسة في الأواني المثبتة التي لا يجري الماء عليها بحيث ينفصل عنها بسرعة ، بل يحتاج تفريغها إلى زمان معتدّ به ، مع أنّ من المعلوم عدم اغتفار هذا المقدار من الزمان في غيرها.
وكيف كان فلا خفاء في أنّ هذه الدعاوي واهية جدّا لا ينبغي أن يلتفت إليها ، ولذا لم يلتفت إليها أحد من أساطين الأصحاب ، بل جعلوا الأصل والقاعدة سببيّة الملاقاة للتنجيس في المائعات مطلقا ، وكلّ من خالف في شيء من مواردها كالسيّد وابن إدريس إنّما تشبّث بالأدلّة المخصّصة ، ومن ردّ عليهما ـ كالمحقّق وغيره ـ أورد في كلامه أنّ ملاقاة النجاسة سبب للتنجيس بحيث يستفاد من كلامهم كونه مسلّما عندهم ، وكيف لا مع أنّ المغروس في أذهان العوام فضلا عن الخواصّ هو ذلك ، كما يشهد بذلك رواية الأحول التي هي عمدة أدلّة القائلين بالطهارة حيث قال الإمام عليهالسلام فيها بعد نفي البأس عن ماء الاستنجاء : «أو تدري لم صار لا بأس به؟» قلت : لا والله. فقال : «إنّ الماء أكثر من القذر» (١).
واستدلّ للمشهور أيضا : بالإجماعين المنقولين عن المنتهى
__________________
(١) علل الشرائع : ٢٨٧ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٢.