فنقول : قد ذهب بعض (١) مشايخنا قدس سرّهم إلى أنّ المناط في صحّة الوضوء عدم تخلّل زمان يقتضي الجفاف في صنفه.
وحاصله : أنّ الموالاة المعتبرة فيه أن لا يتخلّل بين غسل الأعضاء في كلّ زمان مقدار من الزمان يقتضي الجفاف في زمانه على تقدير اعتدال الهواء ، وهذا المقدار يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما هو واضح.
وفيه : أنّ اعتبار التقدير ـ مع أنّه إحالة على مجهول لا طريق للمكلّف إلى إحرازه غالبا ، فلا ينبغي تنزيل الأخبار وكلمات الأصحاب عليه ـ ممّا لا يساعد عليه دليل ، بل الأدلّة بأسرها ناطقة بخلافه ، لأنّ تقييد الأخبار المستفيضة الآمرة بأخذ ناسي المسح من بلّة وضوئه والمسح به ، والأمر بالإعادة على تقدير عدم بقاء البلّة ، الظاهر في إرادة عدم البقاء حقيقة لا تقديرا ، وكذا الأمر بالإعادة في أخبار الباب على تقدير الجفاف ، الظاهر في إرادة نفس الجفاف لا المقدار الذي من شأنه التجفيف أو الجفاف التقديري ممّا لا دليل عليه ، فهذه الإطلاقات بأسرها قاضية بالصحّة على تقدير وجود البلّة ، سواء كان لرطوبة الهواء أو غيرها.
ودعوى جري الأخبار مجرى الغالب ـ وهو ما لو حصل الجفاف في الهواء المعتدل ـ مع ما فيها من المجازفة غير مجدية في إثبات إناطة الحكم بالجفاف التقديري ، لعدم اقتضائها إلّا خروج غير الغالب من منصرف الأخبار ، لا إناطة الحكم بمقدار الجفاف الغالبيّ ، فيرجع فيما
__________________
(١) انظر : جواهر الكلام ٢ : ٢٦١.