الترك في هذه الصورة إنّما هو لحكومة العقل بقبح العقاب بلا بيان ، يلزمه الترخيص في ترك الفعل المأمور به بمجرّد الشكّ في زوال التكليف بعروض ما يقتضي رفعه ، كموت المولى ، أو فسخ عزمه ، أو حصول غايته أو غيرها من الروافع ، وهو كما ترى.
واعترض على ما ادّعيناه من اعتبار الاستصحاب وحجّيّته لدى العقلاء : بالنقض بأنّ التجّار لا يرسلون البضائع إلى شريكهم لو شكّوا في حياته ، ولا يجعلونه وصيّا في الأموال أو قيّما على الأطفال ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى.
وفيه : أنّ الاعتناء بالشكّ في هذه الموارد إنّما هو من باب مراعاة الاحتياط ، والتحرّز عن الضرر المحتمل.
ألا ترى أنّه لو أخبره ثقة عدل بل ثقات عدول ولم يطمئنّ بحياته وعدم ضياع أمواله ، لا يعتني بقولهم. وكذا لو قال لشريكه : أعط كلّ فقير من أهل بلدك درهما وعليّ أداؤه ، واحتمل الشريك إرادة بعض الفقراء لا جميعهم ، وعلم من حاله أنّه لا يؤدّي إلّا ما قصده في الواقع ، لا يعمل بأصالة العموم وعدم قرينة المجاز.
وهذا لا ينافي حجّيّة أصالة العموم وعدم القرينة ، وكذا إخبار الثقة ، لأنّ أثر الحجّيّة إنّما يظهر فيما لا يمكنهم فيه التخطّي على تقدير الحجّيّة ، كما هو الشأن في أحكام الموالي بالنسبة إلى عبيدهم ، لا في مثل هذه الأمور التي يحسن فيها الاحتياط لدى العقلاء ما لم ينكشف الواقع انكشافا جزميّا ، كما هو ظاهر.