ثمّ لا يخفى عليك أنّ مقتضى ما ذكرنا إنّما هو حجّيّة الاستصحاب لدى العقلاء فيما عدا الشكّ في المقتضي ، وأمّا فيه فمقتضاه عدم الحجّيّة ، لأنّ مآل كلامنا إلى دعوى أنّ العقلاء لا يرتّبون الأثر على مشكوك الوجود أصلا ، فلو كان المشكوك مؤثّرا في زوال شيء ، فمقتضى عدم الاعتناء بالشكّ : ترتيب آثار الموضوع الذي يشكّ في زواله.
وأمّا إذا تعلّق الشكّ أوّلا وبالذات بنفس الموضوع ، كما هو الشأن في الشكّ في المقتضي ، فمقتضى عدم الاعتناء بالشكّ : عدم الالتفات إلى وجوده في الزمان الثاني ، لأنّ وجوده في الزمان الثاني أيضا ممّا لا بدّ من إحرازه في مقام ترتيب الأثر عليه ، وليس وجوده السابق طريقا لإثبات وجوده في زمان الشكّ.
مثلا : إذا علم العبد أنّ المولى أوجب عليه إكرام زيد ، وشكّ بعد مضيّ الزمان الأوّل في بقاء الوجوب ، فإن كان شكّه ناشئا عن حصول غايته أو رافعه ، لا يعتني باحتمال وجود المشكوك ، فيمضي على ما كان عليه من إكرام زيد ، وأمّا إن كان مسبّبا عن زوال وصف يحتمل مدخليّته في الحكم ، كما إذا كان «زيد» في الصبح ضيفا ، فأوجب إكرامه ، وشكّ العبد ـ بعد خروجه من دار المولى وتبدّل عنوان ضيفيّته ـ هل يجب عليه إكرامه أم لا؟ ففي هذه الصورة ليس للعبد أن يشتغل بخدمة «زيد» امتثالا لأمر المولى ، حيث إنّ أمر المولى بالنسبة إلى الزمان الثاني نفس وجوده أوّلا وبالذات متعلّق الشكّ.
وهذا بخلاف الفرض الأوّل ، فإنّ الشكّ فيه إنّما تعلّق أوّلا وبالذات